أنيس منصور
مثل شعبي في مصر يقول: البيت بيت أبونا والأغراب يطردونا.. أي أنه جاء إلى بيتنا مَن زاحمنا حتى كاد يطردنا من بيتنا..
نقول عنهم الضيوف الأراذل..
ويقولها الأبناء عن زوجة الأب..
ويقولها سكان المدن أثناء الحرب عندما يهاجر إليهم مواطنون من المدن المتضررة.
أو يقول شعب فلسطين ـ ومعه حق ـ عندما يجد اليهود قد جاءوا من أطراف الدنيا يزاحمونهم على أراضيهم والاستيلاء عليها وطردهم منها. ثم جعلوا لقبول الدولة الفلسطينية شرطا هو أن يعترفوا بأن إسرائيل دولة لليهود فقط. أي لا يبقى فيها فلسطيني واحد.. لا فيها يبقى ولا إليها يجيء!
ويظهر أن هذه غريزة ملعونة في عالم الحيوان أيضا. ففي عالم الطيور طائر اسمه «الوقواق».. إنه يضع بيضه في أوكار طيور أخرى. وإذا وجد بيضا لأصحاب العش جرجره ليسقط على الأرض، فتجيء الأم تطعم الطائر الغريب.. حتى هذا الطائر الغريب إذا وجد بيضة لصاحبة العش فإنه يدحرجها حتى تسقط.. ومن الغريب أن الأنثى صاحبة العش لا تمتنع عن تغذية الطائر المغتصب للعش.. وإنما تطعمه ليكبر سريعا. فإذا كبر طرد هذه الأم أيضا. فلا جديد تحت الشمس! كل الرذائل الموجودة عند الإنسان قد اقتبسها أو سرقها من عالم الحيوان!
ويلاحظ علماء الحيوان أن طائر الوقواق لا يكتفي بأن يضع البيض ويطرد البيض والصغار أصحاب العش، وإنما إذا لاحظ أن الأم ضعيفة وغير قادرة على تغذية صغيرهم فإنهم يطردونها ويدللون على أم أقوى؟! وعادة ما تكون الأم في نصف حجم طائر الوقواق.. حتى يبدو كأنه هو الأم وهي الوليد.
أما الذي تفعله الأم الوقواق، فإنها تترك صغيرها وتبحث عن عش آخر تبيض فيه.. وتتولي حراسة عش ويتولي الذكر حراسة عش آخر.. ويظل الاثنان يطاردان أصحاب العشش من أجل صغارهما. لماذا؟ لأن القاعدة البيولوجية هي القاعدة الاجتماعية: البيت بيت أبونا وجاء الأغراب وطردونا!
* نقلاً عن جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية