اربط الحزام .. ياباشا
مصريات
بسيوني الحلواني
سألتني ابنتي الصغيرة: لماذا لا يربط ضابط الشرط الذي يسير بسيارته الى جوارنا في الشارع حزام الأمان كما نفعل نحن؟!
قلت لها: لأنه “باشا”.. والباشوات لا يطبق عليهم قانون المرور كما يطبق على أمثالنا!!
عادت ابنتي لتسألني: هل يمكن أن يستوقفه ضابط المرور في الشارع ويوقع عليه غرامة كما يفعل معنا؟!
قلت لها: قانون المرور لم يستثن فئة من الفئات. والمفروض أن يستوقفه زميله ضابط المرور ويوقع عليه الغرامة المقررة قانوناً حتى تكون هناك عدالة. وحتى يكون قدوة لغيره في الالتزام بالقانون.. لكن المفروض شيء وما يحدث شيء آخر.. فلم أشاهد في الشارع خلال رحلتي اليومية وتجولي بسيارتي في شوارع القاهرة ضابط شرطة واحد يلتزم بحزام الأمان وهو يرتدي زيه الرسمي.. بل إن بعض ضباط الشرطة يقودون سياراتهم دون رخصة قيادة. خاصة الشباب منهم. وقد كشفت بعض حوادث الطرق التي وقعت لضباط شرطة أثناء قيادتهم لسياراتهم ذلك.
مشكلتنا في مصر أن بعض حراس القوانين والقائمين على تنفيذها هم أول من يخالفونها ويفقدونها هيبتها. وقد سبق وكتبت هنا عن السادة المستشارين ورجال النيابة الذين لا يدفعون مخالفات مرور ويحصلون على شهادات براءة الذمة من المخالفات المرورية لسياراتهم في دقائق قليلة وتفتح لهم كل الأبواب المغلقة. بينما يعاني المواطنون خاصة من ليس لديهم واسطة. ويذاقون العذاب في طوابير غير آدمية أمام وداخل نيابات المرور. ويدفع البعض منهم قيمة مخالفات سجلت عليهم ظلماً وعدواناً وهم صاغرون.. وهذا أمر يدعو للعجب والدهشة. ويفرض حالة من السخط بين الناس الذين تطبق عليهم القوانين دون غيرهم.. كما أنه يتنافي مع كل قواعد العدالة والمساواة التي أوكل للسادة القضاة ورجال الشرطة تطبيقها بين الناس.
لابد أن يتربي رجال القانون والمكلفون بتطبيق الانضباط والنظام على احترام القانون وتقديسه وتطبيقه على كل خلق الله دون تفرقة بين وزير وخفير.. ولابد أن يكون الكبار قدوة للأجيال الجديدة من العاملين في النيابة وجهاز الشرطة حتى نقضي على مشاعر السخط والغضب التي تنتاب كل الناس من تمييز فئة معينة أو استثنائها من الالتزام بالقانون.
****
في رحلة قصيرة داخل شوارع منطقة شعبية بالهرم طلبت من حارس العمارة الذي يجلس الى جواري في السيارة ربط حزام الأمان كما أفعل أنا.. فرد على مستنكراً: “يابيه هو فيه عساكر مرور هنا؟”.
قلت له: أنا أعلم أنه لا يوجد في الشوارع والحواري التي نتجول فيها ضباط وعساكر مرور.. لكني تعودت على الالتزام بقانون المرور في أي مكان أسير فيه احتراماً للقانون وخوفاً من دفع غرامة.. ثم ماذا يضيرنا من ربط الحزام؟
رد عليَّ وعلامات الدهشة تسيطر على وجهه: “أنت صحفي كبير يابيه.. كيف تخاف من ضباط المرور وكيف تدفع غرامات؟!.. ولماذا لا تعرفهم بنفسك؟ عارف الولد ناجي الميكانيكي هو يعرف راجل كبير في المرور ممكن يخدمك في أي مخالفة ويجيب لك الرخصة لو اتسحبت!!”.
كلام هذا الرجل البسيط ليس غريباً على ولا عليكم.. فمع احترامنا وتقديرنا لكل رجال المرور واعترافنا بالجهد الكبير الذي يبذلونه لتقليل حالة الفوضى المتزايدة والمتصاعدة في كل شوارعنا فإن المجاملات مازالت قائمة خاصة مع هؤلاء الذين يحتلون موقعاً من الإعراب في المجتمع!!
***
في مناقشة مع أحد السادة المستشارين المهمومين بهموم مصر حول ضرورة إصدار تشريعات جديدة لمواجهة حالة الفوضى التي تسود الشارع المصري.. صدمني بقوله: مشكلتنا في مصر ليست في قلة القوانين أو ضعفها. فنحن من أكثر دول العالم ازدحاماً بالقوانين والتشريعات. حيث يوجد عندنا عقوبات رادعة لكل المخالفات والتجاوزات.. لكن مشكلتنا الحقيقية في عدم احترام القوانين. والواسطة والمحسوبية التي تفقد معظم القوانين هيبتها واحترامها وفاعليتها في حياة الناس.
كلام سيادة المستشار ذكرني بما رواه لي بعض الأصدقاء في النمسا عندما وقعت غرامة مرورية على وزير الداخلية النمساوي الذي كسر إشارة مرور لكي يلحق باجتماع مهم. وحررت له المخالفة. واضطر للاعتذار عما ارتكبه من مخالفة. خاصة بعد أن عرف الرأي العام بها من الصحافة.
ونحن لا نطالب بتوقيع غرامات على وزير داخليتنا. فنحن نعرف أنه رجل منضبط وحريص على الالتزام بالقانون وتطبيقه على الجميع ولا يقبل تجاوزات أو مخالفات.. لكننا نطالبه بتطبيق قانون المرور على السادة الضباط الذين يسيرون في الشوارع دون الالتزام بحزام الأمان. أو يتحدثون في هواتفهم المحمولة أثناء القيادة. أو يقودون السيارات دون حمل رخصة قيادة. أو توجد بسياراتهم مخالفات.
لو شاهدنا ضباط الشرطة وهم يلتزمون بقانون المرور سيتضاعف احترامنا وتقديرنا لهم. وسيتضاعف في الوقت نفسه حرصنا على الالتزام بالقانون الذي ضاع بريقه وفقد فاعليته بسبب الاستهتار والمجاملات واللامبالاة في التعامل معه.
لا قيمة لقانون لا يلتزم به مَنْ هم مُكَلَفون بتطبيقه على الناس.
تــــــــــســــــــــــــــلــــم ايــــــــد يــــــــــــــــك