افتتاح مدارس للفتيات لدعم جهود الحرب على الإرهاب
فتيات افغانيات في مدارس علمانية
توماس فريدمان
أعترف بأنني أجد صعوبة في القدوم إلى هنا دون أن أتساءل. لماذا نحن هنا؟ فمن الذي يكترث لأمر طالبان؟ أما «القاعدة» فاندحرت، وحتى إن عاود قادتها الظهور فهذا هو ما صنعت صواريخ كروز من أجله.
بيد أنني في كل مرة أشرع فيها في كتابة هذا العمود، يعوقني أمر ما، وقد كان هذا المعوق قويا هذا الأسبوع، فقد حضرت افتتاح غريغ مورتنسون، المؤلف الشهير لكتاب «ثلاثة أقداح من الشاي» مدرسته لتعليم الفتيات في تلك القرية النائية في جبال هندو كوش في أفغانستان. وأجد لزاما علي أن أقول إنني، بعد مشاهدة البهجة على وجوه الفتيات الأفغانيات الصغيرات اللاتي جلسن في انتظار الدرس، أجد صعوبة في المطالبة برحيل قواتنا من هناك.
إن جهود مورتنستون تذكرنا بماهية جوهر الحرب على الإرهاب. إنها حرب الأفكار داخل الإسلام. حرب بين متشددين إسلاميين يمجدون الاستشهاد، ويرغبون في عزل الإسلام عن المدنية والأديان الأخرى، وعدم تمكين النساء من تبوؤ مناصب، وبين من يرغبون في اللحاق بركب الحداثة وانفتاح الإسلام على الأفكار الجديدة، مساعدة المرأة بالرجل في تبوؤ المناصب، شأنها في ذلك شأن الرجل.
لقد كان غزو أميركا لكل من أفغانستان والعراق، في بعضه، محاولة لخلق مساحة للتقدميين الإسلاميين للنضال والفوز، حتى يتمكن المحرك الحقيقي للتغيير، وهو أمر يتطلب 21 عاما وتسعة أشهر لإنتاج ـ جيل جديد ـ يمكن تعليمه وتنشئته بصورة مختلفة.
ولعل ذلك هو السبب في سفر الجنرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة نصف يوم كي يصل إلى مدرسة مورتنستون الجديدة، ليقص شريط افتتاحها.
كان الوصول إلى تلك المدرسة أمرا ممتعا، شقت خلاله مروحية تشينكوك التي أقلتنا طريقها وسط قمم الجبال من كابل عبر وادي بانشير قبل الهبوط في سحابة من التراب في قرية بوشغار. وتخيل لو أن شخصا ما أقام مدرسة جديدة من طابق واحد على القمر وسوف تدرك ذلك المشهد المقفر.
هناك وجدنا مورتنستون يرتدي زيا أفغانيا تقليديا محاطا بوجهاء القرية الملتحين، ومجموعات من البنات والأولاد الأفغان ممن كانوا مشدوهين لرؤية المروحية، ولم يصدقوا أن رئيس الحرب على الإرهاب ـ حيث يترجم لقب الأدميرال مولين إلى اللغة الأوردية بنوع من المبالغة ـ جاء لافتتاح المدرسة الجديدة.
ولدى توزيع الأدميرال الكراسات على الطلاب، أخبرني مورتنستون السبب وراء تكريس حياته لبناء 131 مدرسة علمانية للفتيات في باكستان، و48 في أفغانستان، فقال: «النقود، نقود أنفقت بصورة جيدة فهذه المدارس ستخرج جيلا جديدا من الأولاد يحملون وجهة نظر أوسع عن العالم. ونحن نركز على المناطق المحرومة من التعليم فالمتشددون الدينيون ينشأون في المناطق المنعزلة ووسط مناطق الصراع».
وعندما تتعلم الفتاة وتصير أما ستصبح أقل رغبة في أن يصبح ابنها مقاتلا أو متمردا. وستنجب أطفالا أقل، وعندما تتعلم البنت القراءة والكتابة يكون أول ما تقوم به تعليم أمها القراءة والكتابة. ستحضر الفتيات إلى المنزل اللحم والخضراوات ملفوفة في أوراق الصحف وسوف تطلب الأم من ابنتها قراءة الصحيفة لها، وستتعلم الأم عن السياسة والنساء اللاتي يتم استغلالهن.
أشار مورتنستون، أنه منذ عام 2007 قامت طالبان بقصف أو إحراق أو إغلاق ما يزيد على 640 مدرسة في أفغانستان، و350 مدرسة في باكستان، وهو ما يعادل 80 في المائة من مدارس الفتيات. وهذا الوادي الذي افتتحت فيه المدرسة يسيطر عليه مقاتلو الطاجيك آمن لكن في إقليم هلمند في الجنوب حيث تدور رحى أعنف المعارك اليوم. وأوضح نائب وزير التعليم أن متطرفي طالبان أغلقوا 75 من 288 مدرسة العام الماضي. هذه هي الحرب الحقيقية للأفكار، فطالبان تريد مساجد عامة لا مدارس عامة، حيث يجد المتطرفون متطوعين جددا بين الأميين والمعوزين، ولذا كلما زاد عددهم كانت الفرصة أفضل بالنسبة لهم.
توفر المدرسة التعليم بدءا من الصف الأول وحتى الصف السادس، وقد سألت بعض الفتيات عبر مترجم عن أمنياتهم صاحت إحداهن «معلمة» وقالت أخرى «طبيبة». هذان هما النموذجان اللذان تصفهما الفتيات هنا. أين كانت تلك الفتيات ستلتحق بالتعليم قبل إنشاء مدرسة مورتنسون سنترال آسيا إنستيتوت، وتعاون وزارة الخارجية مع زعماء القرية في بناء هذه المدرسة العلمانية العامة؟ قالت الفتيات «المسجد». لقد كان مورتنسون منتقدا للقوات الأميركية في العراق وأفغانستان في بداية الأمر، لكنه غير وجهات نظره فيما بعد، وقال: «لقد مرت القوات الأميركية بمنحنى تعليمي ضخم، لكنهم أدركوه، والأمر كله يتمثل في بناء علاقات من الحضيض إلى الذروة عبر الإنصات بصورة أكبر وخدمة الشعب الأفغاني».
من ناحية إستراتيجية، ما زلت أجهل إذا ما كانت هناك جدوى من حرب أفغانستان. كنت متشككا قبيل وصولي وما زلت. لكن ما إن ترى طفلتين أفغانيتين تجلسان على السلالم الأمامية لمدرستهم الجديدة يمسكان بإحكام الكراسات التي سلمها لهم الأدميرال الأميركي ـ كما لو كانت عرائسهم المفضلة ـ ستجد من الصعب القول: «دعنا نرحل من هنا»، وستقول كلا ليس بعد.
* نقلاً عن جريدة الشرق الأوسط