60 مليار دولار تكلفة استيلاء الإخوان علي الحكم في مصر
محمد الباز
يجلس الكاتب والباحث عبد الرحيم علي في مكتبه بالمركز العربي لدراسات الحركات الإسلامية الذي أسسه ويديره وهو منتبه تماما، يعمل تقريبا طوال الأربع وعشرين ساعة كل يوم، يدرك أن الملف الذي وهب له أكثر من ثلاثين عاما من حياته وهو ملف الحركات الإسلامية هو الملف الأخطر علي الإطلاق.
يبذل مجهودا خارقا في جمع كل ما يخص الحركات الإسلامية ليس في مصر وحدها ولكن في العالم كله من وثائق ومستندات، يستعين بها علي استقراء الأحداث، وهو الاستقراء الذي يمكنه من معرفة ما ستأتي به الأحداث في المناطق المختلفة التي تعمل فيها الحركات الإسلامية.
استطاع عبد الرحيم علي ومن خلال عمله الوثائقي هذا أن يكشف مخططات الجماعات والحركات الإسلامية، وهو ما جعله هدفا ليس للنقد فقط ولكن للتهديد أيضا، علي مكتبه رأيت ملفا متخما بالأوراق عنوانه “تهديدات عبد الرحيم علي”، هو إذن ليس باحثا نظريا يقول كلمته ويمضي، ولكنه باحث يلتحم مع الملف الذي يعمل عليه مهما كلفه الأمر من تضحيات قد تصل إلي حياته نفسها.
علي هذه الخلفية البحثية يصبح من حق عبد الرحيم علي أن يتحدث ، ويصبح من الواجب علينا أن نستمع له، لأنه في نهاية الأمر رجل يعرف ما يقول جيدا.
كنت قد فكرت أن تدور بيني وبين عبد الرحيم علي مجموعة من الحوارات تكون الوثائق هي عمادها الأساسي، لقد طاشت تحليلات كثيرة يقدمها من يدعون أنهم متخصصون في ملف الحركات الإسلامية رغم أن صلتهم الفعلية بالملف مقطوعة منذ سنوات طويلة، وأصبحنا في حاجة إلي التعرف علي الملف من واقع مجرياته الحالية، وهو الأمر الهين بالنسبة لعبد الرحيم، فقد وثقت فيه الأنظمة والأجهزة المختلفة، ولذلك فإنها تمده بالوثائق المختلفة وهي لا تزال ساخنة، لأنها تعرف أنها ستكون الأكثر استفادة منها، وهي استفادة ستعود بعد ذلك بالنفع علي المجتمع كله في سياق صراعه مع جماعات تريد أن تفرض رؤيتها عليه ولو بالقوة.
من بين الوثائق المهمة التي يمتلكها عبد الرحيم علي تقرير أعدته المخابرات الأمريكية عن مهدي عاكف مرشد جماعة الإخوان المسلمين، وهو التقرير الذي أعد بعد أن صعد إلي منصبه في العام 2004، وعرض التقرير وقتها علي المستويات العليا في الدولة وكان من بين ما استندت إليه في التعامل مع مهدي عاكف وما يمثله في جماعة الإخوان.
يكشف تقرير المخابرات الأمريكية أن مهدي عاكف كان واحدا من أربعة قاموا علي جمع التمويل اللازم لتمويل الثورة الإسلامية في مصر التي حددوا لها العام 1995، والثلاثة الآخرون هم يوسف ندا الذي كان مسئولا عن بنك التقوي قبل تصفيته وتفكيكه، وسعيد رمضان وهو صهر حسن البنا وأحد قيادات الإخوان الذين خرجوا من مصر في عصر الرئيس عبد الناصر، وهو والد طارق رمضان الباحث والمفكر الذي يعيش في الغرب الآن، ومصطفي مشهور الذي كان المرشد الخامس في تاريخ الإخوان المسلمين.
اختفي الثلاثة من علي الساحة بفعل الأقدار، سعيد رمضان ومصطفي مشهور بفعل الموت، ويوسف ندا بفعل المطاردات الدولية التي تتعقبه، بعد أن وضع بنك التقوي الذي أسسه وكان يرأسه علي رأس قائمة المؤسسات الراعية والممولة للإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، ولم يتبق إلا مهدي عاكف من أعضاء رعاة فكرة الثورة الإسلامية، التي وصلت تقديرات بعض الجهات الرقابية والمصرفية والأمنية الدولية أن الجماعة قد جمعت حوالي 60 مليار دولار للإنفاق عليها، ولم يكن هذا المبلغ الذي تم تجميعه في العام 1991 بالضخم، لأنه كان تكلفة لقلب نظام حكم بالكامل وتحويل مصر إلي دولة إسلامية يقودها الإخوان المسلمون.
لكن ما هي حكاية الثورة الإسلامية هذه؟
هنا يدخل عبد الرحيم علي بقراءة محمكة لهذه الوثيقة المهمة، ليكشف كيف خطط الإخوان لتنفيذ هذه الثورة.
يقول عبد الرحيم علي إن الرئيس مبارك عندما جاء إلي الحكم في أكتوبر 1981 قرر أن يسير علي خطي الرئيس السادات، وكان صادقا في قراره ذلك، ولم يفعل مثلما فعل السادات الذي كان يسير علي طريق عبد الناصر بأستيكة.
ومن بين خطي السادات كان التعامل بالحسني مع جماعة الإخوان المسلمين، لم يتعاون الرئيس مبارك معهم كما تعامل السادات، فلم يقربهم منه، ولكنه ترك لهم الفرصة كاملة ليعملوا دون أن يعترض طريقهم أحد، بل كانت التعليمات الواضحة التي لا تقبل الشك ولا التأويل من الرئيس شخصيا هي أن يتركوا الإخوان دون أن يعترض طريقهم أحد.
قلت لعبد الرحيم علي:من الذي كان يدير ملف الإخوان في هذه الفترة؟ قال:الملف في هذه الفترة كان ملفا سياسيا بالدرجة الأولي، لم يكن ملفا أمنيا، وقد ظل هكذا حتي العام 1991، فقد انقلبت الأوضاع رأسا علي عقب، بل حدث ما يمكن أن نعتبره تحولا أسطوريا في علاقة النظام بالجماعة.
يشرح عبد الرحيم علي ما يقصده بقوله:كانت الفترة من 1981 إلي 1991 من أفضل الفترات في تاريخ الإخوان علي الإطلاق، بل إنهم لم يعيشوا مثلها فيما يسمي بالفترة الليبرالية قبل الثورة، لم يعتقل النظام أحداً منهم، وبدأت الجماعة في الانتشار والتوسع، سيطروا علي كل شيء، الاتحادات الطلابية في الجامعة (عصام سلطان المنشق عن الجماعة الآن كان رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة عام 86) وسيطروا علي النقابات المهنية بالكامل، وكذلك أحكموا السيطرة علي نوادي أعضاء التدريس في معظم الجامعات.
كانت أجهزة الأمن ترصد تحركات الإخوان، وتعرف إلي أي مدي وصل تغلغلهم في كل المناطق الحيوية في مصر، وحاولت هذه الأجهزة أن تنبه المسئولين أكثر من مرة إلي الخطر الذي يمثله الإخوان، الذين يسيرون باتجاه وضع المجتمع في جيوبهم، وفي اللحظة المناسبة فإن الأمر سيكون لهم.
الغريب كما يشير عبد الرحيم علي أن المسئولين الكبار الذين كانت تصلهم هذه المخاوف والتحذيرات من الأجهزة الأمنية كانوا لا يقيمون لها وزنا، وكانوا يرددون القول الذي أصبح محفوظا لدي الأجهزة الأمنية وهو :التعليمات تقول دعوا الإخوان وشأنهم.
في العام 1991 وضعت الأجهزة الأمنية يدها علي ملف قضية سلسبيل (سلسبيل هو اسم شركة الكمبيوتر التي كان يمتلكها خيرت الشاطر القيادي الإخواني الكبير والنائب الثاني لمرشد الجماعة والمسجون حاليا علي ذمة قضية غسيل الأموال الأولي للإخوان)، كان ملف القضية لدي الأجهزة الأمنية منذ أكثر من عام ونصف العام، وكان ملفا مذهلا بما فيه من تفاصيل.
كانت الأجهزة الأمنية قد توصلت إلي أن خيرت الشاطر من خلال شركة سلسبيل التي كانت أول وأكبر شركة كمبيوتر تدخل مصر، قد استطاع أن يخترق الأجهزة الأمنية الحساسة ويحصل علي المعلومات الخاصة بها.
لكن كيف ذلك؟
يفسر عبد الرحيم علي الأمر بأن الإخوان كانوا أهل ثقة وقتها، وأن النظام يأمر الجميع بألا يتعرض للجماعة التي استطاعت أن تحصل علي 37 مقعدا في مجلس الشعب في انتخابات 1987، فلماذا لا تثق فيهم وتتعامل معهم الأجهزة الأمنية؟، كان رجال خيرت الشاطر يدخلون الأجهزة الأمنية والسيادية لصيانة أجهزة الكمبيوتر وتنزيل البرامج عليها، وهم في طريقهم إلي ذلك كانوا يقومون بنسخ المعلومات الموجودة علي الأجهزة ويحتفظون بها.
كان هذا هو الخيط الأول في القضية، وكان لابد للأجهزة الأمنية أن تتحرك، طلبت الإذن بالتحرك، فوجدت أن هناك صعوبات فأوصلت الأمر إلي مسئول كبير ومقرب من الرئيس شخصيا، الذي اطلع علي الأمر فأمر بالتحرك الفوري.
عندما دخلت الأجهزة الأمنية إلي مقر شركة سلسبيل لجمع المستندات، وجدت ما هو أهم وأفظع، كانت الوثيقة الأساسية في القضية هي خطة التمكين التي وضعها خيرت الشاطر بخط يده، ويشير عبد الرحيم علي إلي وثيقة مهمة جدا، وهي عبارة عن تقرير كتبه مصطفي مشهور بيده، وكان يناقش فيه فكرة استخدام الإخوان للعنف.
إن جماعة الإخوان تروج طوال الوقت أنها جماعة لا تلجأ إلي العنف أبدا، وأن إمامها الأول ومؤسسها ومرشدها حسن البنا رفض اللجوء إلي العنف تحت أي ظرف من الظروف، لكن مصطفي مشهور وكما يكشف عبد الرحيم علي كان له رأي آخر، فقد كان يري أن حسن البنا لم يغلق باب العنف بشكل مطلق، ولكنه كان يقول إن كل وضع وله توقيته، وطالب مشهور أن يقوم الإخوان بعمليات عنف لأن هذا توقيتها.
يتسق الكلام عن خطة التمكين إذن التي وضعها خيرت الشاطر والتي كانت ترسم طريقا للسيطرة علي كل القطاعات في المجتمع العسكرية منها والمدنية ، مع ما جاء في تقرير المخابرات الأمريكية عن موعد الثورة الإسلامية التي خطط لها الإخوان، وهو ما التفتت له الأجهزة الأمنية، ولذا توالت الضربات علي الجماعة من خلال القضايا العسكرية التي كانت أولها قضية 1995.
في تقرير أعده عبد الرحيم علي عن المحاكمات العسكرية التي تعرض لها الإخوان أشار إلي أن قضية 1995 هي المحاكمة العسكرية الثالثة في تاريخ الإخوان، والمحاكمة الأولي لهم في عصر الرئيس مبارك(تعرض الإخوان لمحاكمتين عسكريتين في عصر الرئيس عبد الناصر عامي 1954 بعد حادث المنشية.. والثانية عام 1965 المعروفة بتنظيم سيد قطب).كان رقم القضية 8 لسنة 1995 جنايات عسكرسة، حيث تم القبض علي 49 من قيادات الجماعة في 2 يناير 1995، وذلك عقب اجتماع لمجلس شوري الجماعة بمركزها العام بالتوفيقية، وبعد عدة أشهر تم تحويل المجموعة إلي القضاء العسكري، ووهو الأمر الذي لم يكن معروفا ولا مألوفا في تلك الفترة، وكانت التهمة هي إعادة إحياء جماعة محظورة.
انتهت القضية بالحكم علي 34 ممن أحيلوا للقضاء العسكري لمدد تترواح بين ثلاث وخمس سنوات، وكان من بين المحكوم عليهم بالسجن خمس سنوات ثلاثة قيادات هم عصام العريان وخيرت الشاطر ومحمد حبيب، ونال 15 شخصا ممن أحيلوا في ذات القضية البراءة.
النكتة في هذه القضية كما يرويها عبد الرحيم علي أن أبوالعلا ماضي الذي كان متهما في هذه القضية حصل علي البراءة، لأنه أثناء نزوله من الاجتماع تم تصويره من قفاه، كانت أجهزة الأمن المسئولة عن تسجيل الاجتماع قد وضعت الكاميرات في الدور الثالث من جراند أوتيل وهو فندق مقابل لمكتب الإرشاد وقتها في التوفيقية، ووضعت أجهزة الصوت في مكتب مصطفي مشهور المرشد العام وقتها، نزعت غطاء المكتب ليلا وثبتت أجهزة الصوت.
أثناء صعود أعضاء الجماعة تم تصويرهم جميعا، لكن أثناء الهبوط اختلف الوضع، فقد خرج بعضهم إلي شارع 26 يوليو وهؤلاء تم تصويرهم من وجوههم فثبت أنهم صعدوا الاجتماع ثم نزلوا منه، أما أبوالعلا ماضي فتصادف أنه كان متجها بعد الاجتماع إلي نقابة المهندسين في شارع رمسيس هو وآخرين، وعندما هبط من الاجتماع تم تصويره من قفاه، وكان السؤال في المحكمة هو كيف صعد إلي مكتب الإرشاد دون أن يهبط؟، ولم يكن أبوالعلا وحده في ذلك ولكن كان هناك 14 آخرين خرجوا من المكتب إلي شارع رمسيس وهم الذين حصلوا علي البراءة في القضية.
هل كانت القضية العسكرية الأولي التي حوكم فيها الإخوان في العام 1995 في عصر الرئيس مبارك ردا عمليا من أجهزة الأمن علي تحديد الإخوان للعام نفسه لساعة صفر للانقلاب علي الحكم والوصول إلي السلطة بمساعدة جهات خارجية استطاعت أن توفر للجماعة تمويلا خياليا وصل إلي 60 مليار دولار في العام 1991 وهو مبلغ خرافي بالفعل، قد يكون هذا صحيحا، فالضربات الأمنية في الغالب لا تأتي جزافا، بل يكون لموعدها دلالة وعلامة قد تخفي علي الكثيرين، لكنها لا تخفي علي العالمين ببواطن الأمور ومن يحركون الأحداث من وراء ستار.
منذ هذه اللحظة وملف الإخوان المسلمين أصبح مسئولية أمن الدولة، تحول من ملف سياسي إلي ملف أمني، وكان هذا تحولا منطقياً وطبيعيا، يفسره عبدالرحيم علي بأن الجماعة حصلت علي فرصتها كاملة في أن تعمل، لكنها بدلا من أن تعمل بما يفيد المجتمع عملت بما يفيدها هي، لقد أمن لهم السادات لكنهم حاولوا الانقلاب عليه وشاركوا في اغتياله.
كان هذا غريبا بعض الشيء، سألت عبد الرحيم عنه فقال :نعم…الإخوان خططوا لاغتيال السادات بعد حادث الفنية العسكرية، فطلال الأنصاري الذي شارك في حادث الفنية العسكرية أقر أنه أخذ البيعة في بيت مرشد الجماعة حسن الهضيبي وشهدت عليها زينب الغزالي، ووضع صالح سرية خطة الهجوم علي الفنية العسكرية وأقرها المرشد وكان الشرط الوحيد أنهم إذا قبض عليهم لا يعترفوا بأن لهم صلة بالإخوان.
هناك ما هو أكثر يقول عبدالرحيم علي إن الإخوان شاركوا في عملية اغتيال السادات ليس بالتنفيذ ولكن من خلال التواطؤ صمتا، كانوا يعرفون بعضا مما يدبر للسادات لكنهم لم يفصحوا عنه رغم أنه منحهم كل شيء.
هذه التركيبة السياسية والنفسية التي يعيش عليها ويعمل من خلالها الإخوان جعلت عبد الرحيم علي يتبني موقفا وهو أن ملف الإخوان المسلمين ومن ورائها ملف الحركات الإسلامية لابد أن يبقي في مسئولية الأجهزة الأمنية لأنها الأقدر علي إدارته، فقد كان الملف سياسيا لفترة طويلة فحاولوا الانقلاب علي شيء، لكن عندما تحول الملف إلي الأجهزة الأمنية توالت عليهم الضربات التي وقفت دون وصلوهم لمخططاتهم التخريبية.
هل يعتبر خروج سيدنا موسى عليه السلام من عباءة فرعون مصر انقلاب وتمرد وخيانة لمن رباه ورعاه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟