بقلم لميس جابر عن صحيفة المصري اليوم – حدثنى فى التليفون.. مواطن مصرى من المنصورة.. ابنه فى الثانوية العامة.. لا أعرفه وعرفنى بنفسه وسألنى: حضرتك شوفتى إعلان استرجل «بتاع البريل»؟
قلت: طبعًا.. وأتوقع أن يكتبوا على إعلان «البيرة» نفسها (خلى عندك دم واشرب بيرة يا عيل).. لأننا نعانى من مفاهيم جديدة للرجولة والشرف والاجتهاد والنزاهة والتعليم والثقافة وهى مفاهيم تتناسب مع «الشيستم» العام تمامًا..
ثم سألنى الرجل وهو منفعل وحائر: طيب شوفتى إعلان «ليه تذاكر كتير؟».. قلت لأ.. ده بقى جديد نوفى وقال الرجل شاكيًا: إنه كتاب جديد يدعى «الخلاصة» وبه الأسئلة المتوقعة فى اللغة العربية وإجاباتها النموذجية..
ولترغيب الطلبة الغلابة المجهدين كتب عليه «ليه تذاكر كتير طالما تقدر تذاكر أقل وتتفوق».. ثم أكمل منفعلاً هل تصدقين أن زوجتى لم تترك شارعًا فى المنصورة لم تبحث فيه عن هذا الكتاب لأن الولد تعلق بهذا الأمل رغم أنه مجتهد ومذاكر .. ماذا أقول له؟
هل أقول إن هذا كتاب غير محترم؟ قلت على الفور محذرة: لا تقول له هذا الكلام لأن ابنك سوف يجيبك على الفور بأن التعليم كله أصبح غير محترم وبحثت عن الإعلان.. الكتاب صادر عن مكتبة «الوعى العربى»..
اسم المكتبة لايق جدًا على الكتاب.. وموجود لدى باعة الصحف.. «الخلاصة» (حتى لو فاضل على الامتحان ساعة واحدة هاتقدر تذاكر الخلاصة) (٨٠ ورقة فقط بينك وبين ورقة الامتحان وحلول عملية لكل مشاكل الأدب والنحو والبلاغة والتعبير المتوقع)..
والله أول مرة أعرف إن الأدب والنحو والبلاغة عاملين مشاكل للدرجة دى وكمان معلومة التعبير المتوقع دى حلوة لأنى كنت فاكرة إن التعبير هدفه أن يتعلم الطلبة أن يعبروا عن رأيهم، لكن فى التعليم الحديث الطلبة يحفظون تعبير الأستاذ المؤلف لأنه هو المضمون والنموذجى والخلاصة..
ومبدأ الخلاصة متبع فى الجامعات واحتمال فى الدراسات العليا كمان وفى العلاقات الإنسانية الحديثة حيث يقول الشباب: «لخص» «بلاش حوارات».. ولماذا الدهشة ومستوى الخريجين فى الجامعات محزن خاصة فى اللغة العربية..
لقد رأيت طلبة لا يفرقون بين «الذال» و«الزاى» أو «الزين» ولا بين «القاف» و«الكاف» ولا بين «السين» و«الصاد».. والتعليم بكل مراحله يعانى من مهزلة عظمى وطالما تكلمنا وصرخنا، والمسؤولون فى واد بعيد خال من الصحف ووجع الدماغ..
لكن المهم أن «الشيستم» العام متجانس والتعليم المهترئ يناسب الإعلام السطحى والثقافة السمعية ومفاهيم الفهلوة والشطارة والنصب والنفاق والرشوة والمحسوبية والقمح أبوسوس، حتى المستوى اللغوى لنواب المجلس الموقر دخل موسوعة «الشيستم» وخلاص اتعلموا اللغة واستعملوا مفردات لغوية «بيئة» تحت القبة وأكيد أخذوا الثانوية العامة بواسطة كتاب «الخلاصة» و«ليه تتكلم بأدب مادام ممكن تقل أدبك»
السؤال الآن: لماذا تعانى الكتب والروايات الأدبية والأفلام من تعنت رقابى متزمت ومتخلف، وتصادر الكتب بحجة الخروج على الأخلاق وتوقف الأفلام بحجة الدعوة إلى الفجور بينما الإعلانات معفاة من أى رقابة، وكل معلن قادر على إغراء الزبون بطريقته..
وها هى دعوة صريحة للاستسهال وعرض لا يمكن رفضه للنصب باسم العلم والامتحانات فى توقيت حرج جداً للطلبة المحملين بأعباء نفسية ثقيلة وتوتر وخوف وقلق وتقديم وسيلة تنافى أى قيم أو أخلاق أو مبادئ وتلغى قيم الاجتهاد والعمل والمثابرة وتدعو إلى استعمال الخلاصة قبل الامتحان بساعة واحدة للحصول
على الدرجات والنجاح وأيضاً «التفوق» على فكرة.. اللى جاى «أنيل»..
و«أنيل» يعنى أكثر زرقة غامقة، وبمناسبة اللغة العربية «النيلة» هى اللفظ العامى للصبغة الزرقاء الداكنة «النَّيلج» ودى مش موجودة فى كتاب الخلاصة.
* نقلاً عن صحيفة “المصري اليوم”
حسبى اللة ونعم الوكيل فى كل ظالم وضع او صحح الامتحان او هيصحح حسبى اللة ونعم الوكييييييييل فيهم