مصريات
بقلم احمد رجب
وسط حشد من الحضور في قاعة الفندق الكبير القت الزعيمة محاضرة دعت فيها اعضاء حزبها من الزوجات إلى تخصيص يوم في الشهر يسمى اليوم المفتوح حيث يعقد الزوجان جلسة ثنائية بعيدا عن الاولاد و البنات ليصارح كل منهما الآخر بالأخطاء التي ارتكبها ومواقفه غير السوية ، وكل ما يريد الإفضاء به . فحرية الرأي بلا قيد ولا غضب وحرية التعبير مكفولة بلا حساسيات .
وكتبت الاقلام تعلق على محاضرة الزعيمة ، فمن قائل : إن مثل هذا اللقاء سوف يكون الفتيلة التي تشعل الديناميت، ومن قال : إن هذا هو السبيل الحضاري إلى التنفيس عما يعانيه الطرفان من ضغوط نفسية قد تؤدي في النهاية الى انفجارات تحطم البيت والاسرة ، وقال ثالث : إن تحقيق فكرة الزعيمة يمثل صمام الامان من أن تنتقل أخبار الزوجين الى صفحة الحوادث أو أن يختفي الزوج في كيس بلاستيك.
وبدأت الزعيمة بنفسها فعرضت الفكرة على الدكتور عبد الهادي الذي ابدى ترحيبا وتشجيعا ، واتفقت الزعيمة مع مدام نازلي مديرة المنزل على اخلاء البيت من الاولاد بعد ظهر يوم السبت الاول من كل شهر ، إذ قررت الزعيمة أن يكون هذا هو موعد اليوم المفتوح.
في الاجتماع الاول مع زوجها بدأت الزعيمة حديثها بأن على كل طرف أن يتحرر من الخوف حتى يصارح الآخر ، وقالت : إنها تأمل أن يحاول كل طرف اختيار الفاظه بدقة بعيدا عن الكلمات الحادة ، وأن يبدي كل طرف بالغ أسفه إذا اضطر الى استعمال لفظ غير لائق لا يوجد له بدل.
وبدأت الزعيمة حديثها قائلة للدكتور عبد الهادي : أعبر لك عن بالغ اسفي إذ لا أجد لفظا بديلا ، ولعلني اكشف لك لأول مرة عن الحقيقة التعسة ، فمنذ زواجنا قبل 19 سنة صدمني كثيرا أن أراك بليد المشاعر . سكتت الزعيمة لحظة فقال الدكتور عبد الهادي : هل تسمحي أن تذكري وقائع محددة لعلي أستطيع الدفاع عن نفسي بدلا من الاتهام العام ببلادة الذهن والمشاعر .
قالت الزعيمة : إن بلادتك تتبدى بوضوح في مواقفك تجاه مشاكل الاسرة وتنصلك من مسئولياتك التربوية .. أنت في حالة هروب دائم ، أحيانا في ابحاثك وأحيانا في الشطرنج ولولا مدام نازلي تلك السيدة العظيمة لا أدري كيف كان يمكن أن يكون حال هذا البيت والاولاد فانا غارقة في عملي ومسئولياتي في الحزب ، بينما أنت منصرف الى ابحاثك الفاشلة .
ومن مظاهر بلادتك ذلك الاسلوب الانهزامي الذي تناقش به الاولاد ، فأنت تسلم لهم بآراء ما كان ينبغي أن توافق على مجرد مبدأ مناقشتها ، وبقدر ما أراك مستسلما لآراء الاولاد ، ألاحظ بكل أسف محاولات دائمة لتسفيه آراء مدام نازلي خصوصا أفكارها التربوية الممتازة ، هذا بالاضافة الى الروح غير الودية التي بديها نحوها متجاهلا أنها قريبتي ، الامر الذي اضطرني اكثر من مرة إلى أن أقف بجانبها ، وأنا أعرف حقيقة دوافعك إلى هذا ، انها النزعة العنصرية عندكم يا معشر الرجال بوهم التفوق على المرأة وأنكم الجنس الآقوى والأرقى والأذكى ، هراء في هراء فإذا كان العمل قد اثبت أن مخ الرجل أكبر حجما من مخ المرأة فقد جاء النبأ العلمي السعيد بأن مخ الرجل أصغر بكثير من مخ الحمار .
انتهت الزعيمة الى تأكيد وجود تصدي الدكتور عبد الهادي لآراء الأولاد التي يزعم -وهما – أنها رؤية جديدة وطازجة للحياة ، وأنه ضد أن يعتنق أفكارا جاهزة أو معلبة ، ثم أبدت إصراراً على أن يحترم زوجها مدام نازلي وآرائها النافعة المثمرة.
وجاء دور الدكتور عبد الهادي لكي يتكلم .
قال : الحق انني في جلسة المصارحة هذه لا أجد ما أقوله .
قالت الزعيمة : ماذا تعني ؟
– لا أجد فيك ما أنتقده ولا أجد عيبا في شخصك أو مواقفك ، أنت سيدة نادرة قل أن يجود الزمان بمثلها .
قالت الزعيمة : ألا تختلف معي في رأي ؟ ألا تبدي رفضا لموقف لي ؟ أليس لك ملحوظة على تصرف ما ؟
– إطلاقاً .
قالت الزعيمة : أعرف إنك انسان سلبي وجبان ومتردد ، ولكن صدقني أنني في هذه الجلسة نتبادل الآراء بحرية تامة ، فقل كل ما يعن لك بلا خوف ، وأكشف عن مشاعرك مهما تكن شريرة .
– لا أجد فيك مطعنا واحداً .
ثم نهض عبد الهادي واقفاً وقال : هل يمكن أن نعتبر أن جلسة المصارحة قد انتهت
فصاحت الزعيمة : اجلس ، ثم راحت تردد في عصبية : تكلم أيها الجبان .
التفت الزوجان نحو الباب الذي ظهرت به مدام نازلي وعلى وجهها تأثر واضح وهي تخاطب الزعيمة بصوت يملؤه الأسى : هذا كثير يا أبلة .. كثير .
صاحت الزعيمة : عودي إلى حيث كنت يا نازلي .. هذا أمر لا شأن لك به .
قالت مدام نازلي : بل هو أخص شئوني .. فالدكتور عبد الهادي زوجي من 15 سنة .