الصحف الخاصة وظاهرة الجرائد التاكسى
أيمن عبد المجيد
تمر تجربة (الصحف الخاصة) بمرحلة محورية خلال هذه الأيام بعد الضربات التى تعرض لها القارئ قبل المتابع للساحة الصحفية، ففى الوقت الذى كان يتحدث فيه البعض عن انتقالنا للمرحلة الثانية من التجربة وجدنا أنفسنا نعود للخلف، حيث أكمل ملاك الجرائد الصورة السوداء للصحف الخاصة بعرضها للبيع، وكأنها فى مزاد، وبالطبع هناك جانب اقتصادى فى إداريات الصحف، لكنه ليس الأساس الوحيد بقدر ما هو شريك مع الجانب التحريرى.. وإجمالا فإن المشهد العام كان يشير لفشل تكرار تجربتى الأهرام والأخبار رغم أن ظروف النجاح تكونت مرة منذ أكثر من 30 عاما وأخرى منذ 60 عاما. لكنها أبت ألا تتكرر للمرة الثالثة، فتم إعلان تصفية (البديل) اليسارى بعد أزمات عديدة، والنبأ والدستور فى طريقهما للبيع، والمصرى اليوم والشروق ينالان نصيبهما من العراقيل والتى بلورتها الأزمة المالية.
ولدراسة المشهد عن قرب يجب عرضه بصورة دقيقة، حيث ذهبت جريدة «البديل» الصادرة عن شركة «التقدم للطباعة والنشر» بلا رجعة بعد توقف ثلاثة أشهر اضطر ملاكها البالغ عددهم 70 إلى اتخاذ قرار التصفية بحضور 80% من أعضاء الجمعية العمومية. وإجمالى خسائر «البديل» طيلة عام من الصدور بلغت 18 مليون جنيه تكبد القيمة الأكبر منها اليسارى د. علاء عوض ببلوغ خسائر بمفرده 400 ألف جنيه يساويه فيها عدد آخر من الملاك، فيما تباينت الخسائر وفقا لحصص كل عضو بالجمعية العمومية.. ففى ظل ندرة الإعلانات بالصحيفة بلغ إجمالى الأجور الشهرية 360 ألفا دفع الملاك للبحث عن مساهمين جدد بعد التوقف الاضطرارى لنفاد الأرصدة.
محاولات إعادة البديل محاولات إعادة إحياء الصحيفة التى استمرت 6 أشهر شهدت خيار اللجوء للمساهمة الشعبية غير أنها لم تجاوز الـ 100 ألف جنيه بعد حملات الفيس بوك والتضامن المرهون على القراء، تلى ذلك عرض من محمد أنور السادات عضو مجلس الشعب السابق الذى اقترح ضخ 12 مليونا بالشركة مقابل ملكية 80% من الأسهم، وتراجع فجأة بدعوى أن محررى الصحيفة دائمو التمرد ويصعب السيطرة عليهم من قبل الإدارة، فيما كان السبب الحقيقى تفضيله للصفقة البديلة للبديل وهى شراء «الدستور» حيث رأى و5 من شركائه معه أن جريدة الدستور أكثر ربحية كونها أكثر انتشارا من البديل وأقل خسائر. السادات تقدم بعرض لعصام فهمى مالك الدستور قيمته 15 مليون جنيه، ويشترك معه فى الصفقة رجال الأعمال عمرو فهمى ومحمود طاهر واثنان آخران، ولايزال «فهمى» يدرس العرض ولم يبت فيه لظروفه الصحية من جانب ودراسة زيادة قيمة العرض أو منح السادات ورفاقه حصة فقط من الجريدة للاستفادة بجزء من الأموال فى إعادة الهيكلة. أزمة النبأ الأمر متشابه لحد كبير فى جريدة «النبأ» الصادرة عن مؤسسة شركة النبأ للطباعة والنشر، حيث تجرى مفاوضات أفادت معلومات وصفت بأنها نهائية ببيعها بمبلغ 45 مليون جنيه لأحد المستثمرين فى مجال الميديا، الأمر الذى لم ينفه د. «حاتم مهران» رئيس مجلس الإدارة مما أثار توترا داخل المؤسسة دفعه لعقد اجتماع طارئ بالصحفيين والإداريين العاملين بالمؤسسة الثلاثاء الماضى أكد خلاله صحة تلقيه لعرض شراء المؤسسة، مضيفا أن العرض بلغ 65 مليونا كون المؤسسة تملك مقرات ومطابع وأسطول توزيع واسما له ثمن رافضا الإفصاح للمحررين عما انتهى إليه العرض مكتفيا بالتأكيد على أن صحفيا أو عاملا لن يضار فى كلتا الحالتين.
التركة النبأ تملك مبنى إداريا ومطابع بمنطقة أبو رواش ومقرا تصل مساحته إلى 400 متر بـ 9 شارع الموسيقار على إسماعيل بالدقى إضافة إلى دور بالعقار 20 ش محيى الدين أبو العز بالمهندسين قدره مهران خلال الاجتماع بـ 2 مليون جنيه! أما عن صحيفة «الطريق» فكانت قد توقفت عن الصدور بعد القبض على مدحت بركات مالكها ورئيس مجلس إدارتها فى قضية الاستيلاء على أملاك الدولة بطريق مصر إسكندرية الصحراوى.
رد النقيب وفى سياق التقييم النقابى للموقف، قال «مكرم محمد أحمد» نقيب الصحفيين أن أهم الضمانات التى يجب توافرها لحماية حقوق الصحفيين يجب أن تكون فى إلزام الشركات طالبة الترخيص بتخصيص جزء من ميزانيتها كوديعة للإيفاء باستحقاقات الصحفيين حال تعثر الصحيفة أو إنهاء علاقة العمل وعدم جواز منح المجلس الأعلى للصحافة الترخيص دون توافر هذا الشرط. وأضاف مكرم لـ«روزاليوسف»: وضعنا شروطا فى عقود العمل، لكن الملاك يقومون بالالتفاف عليها، فلا توجد ضمانات لتنفيذها والصحفيون يقبلون العمل بأجر متدنٍ مقابل منحهم خطابات القيد بجداول النقابة للحصول على أجورهم ممثلة فى قيمة البدل. ورفض نقيب الصحفيين اتهام النقابة بالتضييق على حرية الإصدار بما تقدمه من مقترحات، مضيفا: لابد من حماية حقوق الصحفيين، وما نطالب به حق والدليل أمامنا صحف تصدر بلا ضمانات مثل البديل وتتوقف وقبلها الطريق وعدد كبير من الصحف الآن خاسرة، والنبأ سرحت 38 زميلا وبذلنا جهودا لإعادتهم للعمل حتى أبرم اتفاق لازلنا نراقب تنفيذه. تعليق عيسى من ناحيته يرى «صلاح عيسى» – رئيس تحرير جريدة القاهرة – ضرورة إنشاء صندوق بنقابة الصحفيين للبطالة وإلزام الصحف طالبة الترخيص بوضع وديعة بأحد البنوك بقيمة أجور الصحفيين لمدة عامين حال توقف الصحيفة على أن يمول صندوق البطالة من مخصصات بالصحف والدعم الحكومى واشتراك يحصل من الصحفيين.
وأضاف عيسى : مطلوب تعديل لقانون الشركات لإضافة مواد ملزمة تمثل ضمانات لحقوق الصحفيين فى شركات الطباعة والنشر بما فى ذلك نقل الملكية، منوها إلى أن التوسع فى حرية إصدار الصحف منح طابورا طويلا من الراغبين فى الاستثمار فى مجال الإعلام فرصة دخول السوق بعد فترة سابقة كانت البيروقراطية تعيق فيها الإصدار، إلا أن هؤلاء ليس لديهم الخبرات والإدراك الكافى بمخاطر السوق، يضاف لذلك الأزمة المالية العالمية. ويرى عيسى أن كل التجارب الصحفية تبدأ بهدف سياسى أو مصلحى وحال تمكنها من تقديم مادة إعلامية موضوعية تستمر وتعدل أهدافها، ولا يوجد فى مصر شركات مساهمة حقيقية مالكة للإعلام، بل هى ملكيات فردية ولابد من وضع ضوابط للحد من التحايل على القانون.
المخاطرة السياسية وقال «هشام قاسم» رجل الأعمال المتخصص فى إطلاق الصحف: إن الهبوط السريع لجريدة «البديل» يعود إلى إصدارها فى صورة تنظيم سياسى يسارى وليس شركة مساهمة والاستناد للخلفية السياسية للصحفيين وليس المهنية، الأمر الذى دفع المحررين فى واقعة ذات دلالة بمطالبة رئيس مجلس الإدارة باعتذار مكتوب لمجرد أنهم طلبوا لقاءه وأرجأ طلبهم لانشغاله ببعض الأعمال، يضاف لذلك التهاون فى العمل، حيث لم يذهب عدد واحد إلى المطبعة فى موعده المحدد، الأمر الذى زاد من خسائر الملاك وفقا لما طالعته من المستندات خلال دراستى لإعادة تطوير الجريدة فى حين كنت أحيل المسئولين للتحقيق فى تجربة المصرى اليوم إذا ما تأخرت الجريدة نصف ساعة عن موعدها فى المطبعة. وأضاف قاسم: المخاطرة السياسية فى مجال الإعلام عالية ولا توجد شركات مساهمة حقيقية فى مصر تملك صحفا بل أشخاص يصدرونها بهدف خدمة معاركهم السياسية فتتحول الصحف لأذرع إعلامية، مضيفا: لابد من وجود جمعية عمومية حقيقية للملاك وهذا ما سأفعله فى تجربتى التى أعد لها حيث يبلغ رأس المال 30 مليون جنيه لإصدار صحيفة يومية بحد أدنى للملكية 0,25% أى 75 ألف جنيه و1% حد أقصى أى «300 ألف» على أن تكون الجمعية العمومية هى المرجعية فى إقرار السياسة العامة للجريدة التى تقترح عليها أن تنتخب عضوا منتدبا يكون هو حلقة الوصل بين الإدارة والتحرير مع وضع لائحة توقع عقوبات على عضو مجلس الإدارة الذى يتصل بشكل مباشر بالقائمين على التحرير ولا يسعى للتأثير عليهم، وبالتالى لا يستطيع الملاك توجيه الصحيفة لخدمة معاركهم.
عروض كثيرة وأضاف قاسم: تلقيت عروضا من عدد من رجال الأعمال والسياسيين للمساهمة فى تأسيس الشركة إلا أننى رفضتها عندما اكتشفت أنهم يسعون لمصالح سياسية ومنهم من كان يعد نفسه للترشيح فى الانتخابات القادمة، وعندما شرحت له أن الصحيفة لن تسانده تراجع، وقليل من يقبل على المساهمة فى إنتاج صحيفة بهدف تحقيق أرباح مالية مقتنعا بجدوى هذه الصناعة وبعضهم قال لى أنا مش هدفع 300 ألف وتسير الجريدة فى خط يعطل لى مصالح بـ30 مليونا، وأضاف قاسم: أخطاء الصحف التى تصدر أنها تبالغ فى الحملات الإعلانية فتبيع فى العدد الأول 50 ألفا ثم تتراجع إلى 5 آلاف فتحدث ضغوط على هيئة التحرير مثل الشروق التى بدأت تتعثر لأسلوبها الفاشل فى الإدارة فلابد أن تبدأ بعدد قليل من المطبوع وتصوب أخطاء الصحيفة تدريجيا للوصول لصورة مثلى وأعداد وتوزيع مقبولة. وقال قاسم أن عصام فهمى لجأ إلى بيع الدستور لعدم قدرته على ضخ أموال تتطلبها عملية نمو المطبوعة واستئثاره بدخلها فى حساباته البنكية. الابتزاز وأرجع صبرى فوزى العضو المنتدب لجريدة البديل قبل تصفية الشركة فشل التجربة لكون الصحيفة خاصة سعت لتطبيق نموذج الاستقلال ورفضت الانسياق إلى الابتزاز أو التحالف مع الفساد حيث عرض على الإدارة من إحدى الشركات إعلانات بـ2,1 مليون جنيه مقابل التغاضى عن نشر مستندات فساد، لكن الإدارة رفضت. وشدد فوزى على أن سوء إدارة التحرير كان سببا فى توقف الجريدة من حيث بلغ إجمالى الأجور الشهرية 360 ألف جنيه بينما لا يتجاوز فى الدستور 180 ألف جنيه بواقع 6 آلاف للعدد الواحد بينما فى البديل الضعف! وطالب فوزى الحكومة بتوزيع إعلانات الوزارات على الصحف بالتساوى لمنع تعرض صحف تسعى للاستقلالية للابتزاز،
حرية الإصدار ويرى جلال دويدار الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة أن حرية الإصدار مكفولة، الأمر الذى زاد عدد الصحف وكأى صناعة هناك من يستطيع البقاء ومن يفشل ويغلق أبوابه، وهذا يخضع لقدرة الإدارة على الوصول بالصحيفة للانتشار، ومن ثم جلب إعلانات وتمويل يحقق أرباحا، لافتا إلى أن تجربة المصرى اليوم والشروق هى أنجح التجارب الخاصة. وأضاف دويدار: لكى تستمر الجريدة لابد لها من سياسة واضحة تشغل قطاعات كبيرة من الجماهير وتعبر عنهم وتقدم الجديد، لكن أن تكرر نفسها وتتخبط فإن القارئ سيمل منها وستغلق أبوابها، وهذا ما يفقد التجارب الخاصة فى مصر القدرة على تكرار تجربة الأهرام والأخبار اللتين بدأتا بملكية خاصة.
وحمل دويدار نقابة الصحفيين مسئولية حماية حقوق الصحفيين حال توقف الصحيفة كونها المخولة بذلك، مستطردا هذه ليست مسئولية المجلس الأعلى لأنه يمنح الترخيص إذا ما توافرت الشروط القانونية فى طالب الإصدار والمجلس استجاب لمطالب نقيب الصحفيين، واشترط للحصول على الترخيص أن تقدم الشركة الضمانات التى تطلبها النقابة من عقد موحد وإذا كان مطلوبا وديعة فعلى النقابة أن تتفاوض عليها مع الملاك وإذا ما اعترضت لن يمنح الترخيص.
معالجة رائعة لقضية غاية في الاهمية شكرا لكاتب التحقيق علي المعلومات والعمق في التناول والحرص علي عرض اراء الاطراف المختلفة