أحمـد رجــب
دخلت القبلة كسبب قوي للإصابة بأنفلونزا الخنازير، فدقت هيئة الصحة العالمية ناقوس الخطر لكل العشاق، ولم يأبه معظمهم ـ إن لم يكن كلهم ـ بهذا التحذير باعتبار أن أهل الهوي دائما تحت حالة تخدير مستعصية: وأنا وحبيبي يا ليل غايبين عن الوجدان يطلع علينا القمر ويغيب كأنه ماكان!
ولا أحد يعرف من الذي اخترع القبلة.
وبالقطع ليس هو أبونا آدم الذي عاش مع أمنا حواء في الجنة، فرغم الجو الرومانسي الشاعري للفردوس، لم يكن جمال حواء يمثل أداة جذب عاطفي، ولا كان فمها المرسوم كالعنقود فخا يجذبه إليها، فقد عاش آدم في الجنة دون أن يعرف الجاذبية الجنسية حتي أكل من الشجرة المحرمة فتم ترحيله فورا إلي الأرض.
وعندما هبط الإنسان الأرض كان مكان نومه عند باب الكهف المفتوح ليحرس الأولاد والزوجة، وكان لايهنأ بنوم. فكلما غاب صوته عن سمع المدام راحت تناديه. وكلما نادته قال لها صاحي .. صاحي. وكلما تبرم بنداءاتها صرخ فيها قلت لك صاحي نامي بقي يا وليه، وليس من باب الأدب أنه لم يقل لها نامت عليكي حيطة، بل لأن الحيطة لم تكن قد عرفت في ذلك الزمان.
ولم تجد المرأة إلا الثرثرة لتمنعه من النوم. ثم إن صوت الرجل في ليل الكهف المخيف كان يمثل لها الطمأنينة والأمان، ومن موروثات امرأة الكهف، أخذت المرأة عبر العصور حب الاستئناس بصوت الرجل، وتبين حاجة المرأة إلي ذلك عندما يصاب الزوج بعد فترة بالخرس المنزلي، فلا يتكلم لسانه وينطلق إلا خارج البيت، وقيل إن زوجا أدركه الخرس المنزلي في الزمن القديم فظل يستمع إلي ثرثرة زوجته وهو أبكم كصنم. وفجأة انقض بفمه علي فمها ليسكتها، ومالبث أن شعر بنشوة جارفة دون أن يدري أنه جاء بحدث غرامي عظيم هو اختراع القبلة، ذلك الصدام الذي يتم بين الشفاه الأربع فيجري عمليات كيميائية غامضة داخل الجسم تنقل الحبيبين إلي عالم آخر.
وهكذا تحولت شفاه المرأة إلي »بيزنس« وأصبح تجميل شفاه المرأة وإعدادها للقبلات مهنة تدر البلايين، وظهر أحمر الشفاه الذي صنعوه من الزفت المستخرج من البترول، واعتمدت بيوت التجميل علي الرجل في زيادة مبيعات أقلام الروج، فالمرأة تشتري الروج ليستهلكه الرجل بالقبلات وبذلك أمكن تعريف القبلة بأنها حادثة تصادم بين أربع شفاه الخسائر فيها زوال الطلاء الأحمر، حيث ينتقل هذا الطلاء إلي فم الرجل ثم منديله الذي يصبح ـ غالبا ـ من احراز قضية الطلاق المرفوعة من الزوجة.
واعتبرت بيوت التجميل بالوما ـ بنت بيكاسو ـ خائنة لأنها اخترعت روج لا ينتقل إلي شفتيه ولا إلي منديله بالتالي. وتأثرت المبيعات بهذا الاختراع إلي حد كبير. ولما كان روج بالوما له درجة أحمر واحدة فقط هي الأحمر الناري فقد عمدت بيوت التجميل إلي إنتاج روج يشمل الاثنتين والأربعين درجة هي كل درجات اللون الأحمر.
وليس غريبا أن تكون القبلة حقنة »بنج« يفقد خلالها العاشق الإحساس بكل ما حوله، فالحب نفسه حالة تخدير تستمر أحيانا بالسنين وأحيانا العمر كله. ويروي في ذلك أن حادثة تصادم وقعت في نيويورك بين سيارة خاصة وشاحنة، وفوجئ الناس بفتاة تخرج من بين حطام السيارة دامية الجبين لكنها تقول في انبهار : بوسة سحرية.. بوسة سحرية، ومالبث أن برز شاب إلي جوارها تغطي وجهه خدوش تدمي احتضن الفتاة واستأنف القبلة التي أدت إلي الحادث!
وضبط أب أمريكي صديق ابنته الذي يكرهه عمي وهو يحتضنها داخل المصعد، فانهال الأب علي الشاب لكما يحاول عبثا أن يفك اشتباك الشفاه الأربع.
وفي طقوس القبل، تدعي الفتاة دائما أنها فوجئت بالقبلة الأولى وغالبا ما يكون هذا صحيحا وفي القبلة الثانية تدعي الغضب وبعد ذلك يشتد غضبها إذا لم يقبلها.
< < <
وأخيرا القبلة لها عمر يخضع لعمر الهوي فهي تبدأ فوق اليد ثم تنتقل إلي الخد، ثم أيام العشق والعسل تنتقل إلي الفم ثم تنقل إلي الخد مرة أخري، ثم تنتقل إلي رحمة الله.
سبب عدم وجود تعليقات أن الموضوع هــــــــــــــــــــــــــــــ@يــــــــــــــــــــــــــــــــــف جدا