مصريات – محمد نور الدين: حتى الآن.. لم يجمع الفقهاء.. على فتوي بتأجيل موسمي العمرة والحج.. ولم يتفق الأطباء على رأي موحد.. يقطع الشك باليقين.. بشأن مرض “أنفلونزا الخنازير”.
هناك من يقلل من خطورة المرض.. ويؤكد أنه أقل ضرراً من “الأنفلونزا العادية”.. ويدلل بأن عدد ضحايا “الفيروس” لم يتجاوز 8.0% من عدد المصابين.. وتلك نسبة أقل بكثير ممن تقتلهم الأنفلونزا الموسمية.. وبالتالى لا داعي أبدا الى المبالغة الشديدة في اتخاذ الاحتياطات الوقائية والعلاجية.. ومن ثم لا يوجد أدني مبرر لإلغاء موسمي العمرة والحج!!
على النقيض تماماً.. تأتي وجهة النظر الأخري.. وأصحابها يرون أن الأمر جد خطير.. بعد أن تحول المرض الى وباء اجتاح معظم دول العالم.. وتضاعف عدد المصابين بصورة مطردة.. وارتفعت معه بالطبع نسبة الوفيات.. مما يستوجب رفع حالة التأهب.. وتشديد الإجراءات الاحترازية.. واتخاذ كافة التدابير.. وإعلان المواجهة الحاسمة.. وأولها بالطبع وضع قيود على التجمعات العامة.. مثل الموالد.. ومباريات الكرة.. وقبلها موسما الحج والعمرة.. بل البعض بالغ في تشدده مطالباً بتأجيل الموسم الدراسي!!
بين هذا وذاك.. احتارت الحكومة.. تأخذ برأي من يهون.. أم تسير خلف من يهول.. لاسيما وأن الفتوى القاطعة لم تخرج بعد من المؤسسة الدينية.. التي تشترط لهذا أن تأتي البيانات والتصريحات الصادرة من المؤسسة الطبية بطلب حاسم وجازم.. بتأجيل موسمي العمرة والحج.. وهو الأمر الذي يخشي مسئولو الصحة.. الاقدام عليه.. حتى لا يتحملوا كل الوزر!!
وحتى لا تستمر في حيرتها طويلا.. رأت الحكومة في “الوسطية”.. الاختيار الأمثل.. وجمعت ما يناسبها ومواطنيها.. من وجهتي النظر:
في البداية حسمت الأمر.. وقررت بدء الموسم الدراسي في موعده.. مع استخدام نظام الفترتين لتخفيف كثافة الفصول.. وتوفير كل المستلزمات الطبية والعلاجية لمواجهة أي إصابة مفاجئة.
رفضت تأجيل موسم الحج.. لكن استبعدت كل من يتجاوز ال 65 عاماً أو يقل عن 25 وكذلك المرضى والأطفال.. مع تنظيم تداول شهادات اللياقة الصحية لراغبي السفر لأداء المناسك وتنفيذ الاشتراطات الصحية الواردة من السعودية.. واستمرار إجراءات التوعية بين الحجاج والمعتمرين.
تعاقدت على استيراد 5 ملايين عبوة من عقار التاميفلو و5 ملايين جرعة من طعم الأنفلونزا المستجدة.. ووفرت 300 ألف جرعة من طعم الأنفلونزا الموسمية و450 مليون ماسك.
منعت إقامة الموالد.. وسمحت بمباريات الكرة.. حذرت من الازدحام والاحتشاد في الأماكن العامة.. ولم تدقق كثيرا في دور السينما والملاهي والحفلات الموسيقية والغنائية.
اعتمدت خطط طواريء.. ودعمت المستشفيات.. ودربت الأطباء والممرضين على التعامل مع تدفق أعداد كبيرة من الأشخاص المصابين بالأنفلونزا الداهمة.
للانصاف.. أحسنت الحكومة الاختيار.. واتبعت بالفعل الإجراءات المثلي التي تناسب الوضع حاليا.. فحتى الآن لم يصل انتشار الوباء وخطورته الى الدرجة التي يجوز فيها تعطيل ركن من أركان الإسلام.. وإنما يمكن وضع ضوابط لتنظيمه وتحديده.. وحماية المسنين والمرضى.. كما أن الأمر لا يدعو أبدا الى إغلاق المدارس وتأجيل الموسم الدراسي.. وإنما يسمح بتطبيق الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار المرض بين التلاميذ والمدرسين.. وهذا ما صنعته الحكومة التي حرصت على رفع درجة التحذير.. وتوجيه الناس لطرق الوقاية والعلاج.. وتوفير التدابير والاحتياطات الواجب اتباعها في كافة المجالات وجميع الأنشطة.. للحد من خطورة وانتشار الفيروس.
ان “الحكومة”.. أصبحت الآن أكثر قدرة على مواجهة التحديات.. ولديها من القدرات والإمكانات ما يعينها على الصمود والوصول الى المنشود.. والمواطن صار أشد جلداً.. وأقوي مثابرة في تحدي الصعاب.. ولقد أثبتت التجارب السابقة أن التلاحم والتعاون دائما ما يؤتي ثماره المرجوة.. ويحقق ما يصبو إليه الجميع.. لذا.. سوف ينجح الطرفان في المواجهة الحاسمة.. ويتجاوزان الأزمة بسلام.. ويصلان الى بر الأمان.. طالما أنهما يأخذان بالأسباب.. ويضعان نصب أعينهما.. بإيمان عميق.. ويقين بالغ.. قوله سبحانه وتعالي: “فالله خير حافظاً.. وهو أرحم الراحمين”.