احداث فرشوط
شهود عيان عن احداث العنف في فرشوط
مثيرو الشغب في فرشوط حولوا أكبر مراكز قنا التجارية الى مرتع للسرقة والنهب
تحقيق: أمير الصراف *
مشاهد كثيرة تفرض علينا استبعاد مسمي الفتنة الطائفية عن الاحداث المؤسفة التي شهدتها مدينة فرشوط بمحافظة قنا يوم السبت الماضي.. ملابسي السوداء التي تشابهت تماما مع زي قوات الأمن المركزي وربما هيئتي التي قد تخدع الآخرين بأنني أحمل رتبة شرطية، مكنتني من الدخول الى زخم الاحداث وتسجيلها عن قرب بكل تفاصيلها بالكاميرا لأرصد احداث السبت الأسود في مدينة فرشوط منذ وقوعها في ظهر نفس اليوم ولأكون من شهود العيان.. تركني سائق التاكسي لأترجل في الشوارع الملتهبة خشية تحطيم سيارته من قبل مثيري الشغب الذين أعلنوا عن ساعات مستقبلية عصبية هم أبطالها برشق مركز الشرطة بالحجارة في صباح اليوم نفسه. كانت الشعارات الدينية التي يطلقها المتجمهرون تخترق الآذان لتقول إنها أزمة طائفية بين المسلمين والأقباط، غير أن ذلك الانطباع تغير تماما عندما كنت أحتمي من مقذوفات الطوب أمام مدخل عمارة إسكان شعبي وطلت من شرفة الطابق الثاني سيدة محجبة وقالت لي وهي ترتعب ” نريد حراسة هنا لأن العمارة يسكن بها أقباط ” ظنا منها أني ضابط شرطة! غيرت السيدة وجهتي تماما.. أنها ليست فتنة طائفية أنما احداث شغب وفوضى مثيروها يمكن تقدير أعمارهم من خلال بنيتهم الجسدية النحيفة وقسمات وجههم التي اكتست بملامح الفقر والمراهقة، وانفعالاتها غير المنضبطة في رشقهم بالطوب لكل شي في المدينة المحال التجارية والمنازل والاهالي وضباط الشرطة الذين كانوا يدركون حقيقة هؤلاء وتعاملوا معهم بتأنٍ وتريث عن طريق محاصرتهم في الشوارع بفصائل الأمن المركزي دون الاشتباك معهم، وربما كان ذلك سببا في شعورهم ببعض السطوة في البداية رغم القنابل المسيلة للدموع، حتى كبحت الشرطة جماحهم في النهاية. تحولت مدينة فرشوط وهي من أكبر المراكز التجارية في قنا الى مستنقع للسرقة والنهب في يوم السبت الأسود، كانت جماعات الشغب التي وزعت نفسها على أنحاء المدينة تعمل على فترات في تلك الأعمال التخريبية التي طالت الأخضر واليابس، وإن كانت خلفية الحادث المعلنة هي الواقعة الآثمة التي ارتكبها شاب قبطي يدعي ” جرجس بارومي جرجس ” 20 سنة بائع طيور من قرية الكوم الأحمر جنوب فرشوط والذي استدرج قاصراً مسلمة 12 سنة من قرية الشقيفي التابعة لمركز أبو تشت الى زراعات القصب وقام بالاعتداء الجنسي عليها، وطاردته والدتها بمعاونة الأهالي حتى سلمته لمركز شرطة فرشوط. العقاب الفردي ومما يضع علامات استفهام كبيرة حول نوايا مثيري الشغب هي الأعراف التي تسبق القانون في الصعيد والتي تقر بالعقاب الفردي لمرتكب ذلك الفعل المشين وليس بالعقاب الجماعي للأهالي أو للطائفة التي ينتمي إليها مرتكب الفعل أو بالأكثر ضد أسرته ولا يتجاوز عائلته في اغلب الأحوال، والأغرب في الأمر أن أصحاب المأتم لم يشاركوا في حمل الكرب لأنهم يدركون من هو غايتهم وصيدهم جيدا ! هناك مثل يطلقه الصعايدة عندما يحاول احد أن يزج به في أمر ما لا علاقة لهم به يقولون : ”عاوز يطهر ولده في فرح غيره” وهذا ما حدث السبت الماضي ليس في فرشوط وحدها بل في بعض توابعها وضواحيها مثل الكوم الأحمر وعزبة وزيري وشاكر وغيرها، وكان الحادث الآثم الذي ارتكبه ذلك المجرم بحق طفلة فقيرة لا تجد دمية قماشية تصحبها في طفولتها المتأخرة لان الجنيهات القليلة التي تتكسبها من بيع مياه الشرب للاهالي العطشي في بلدها تذهب الى بائع الخبز ، فرصة سانحة لدعاة الفتنة الذين جمعوا العاطلين ليفرغوا كبتهم وألبوا المراهقين ليبحثوا عن رجولتهم واللصوص ليجمعوا غنيمتهم وقد فعلوا . على الجانب الآخر فإن رجلا مثل اللواء محمود جوهر مدير امن قنا كان يقنعك وهو يترجل على قدميه وسط الاحداث الملتهبة وثورة هؤلاء المهتاجين وليتابع الاحداث عن قرب أن الأمن يحكم السيطرة رغم قلة أعداد القوات في البداية. ما يحتسب “لجوهر” قدرته على الأزمة بمنتهي الحزم والحنكة، وكانت البداية بالتهدئة وتحجيم مثيري الشغب في الشوارع، وإنقاذ المحال التجارية التي تم إضرام النيران فيها وإلزام أقطاب العائلات بفرشوط بتهدئة الموقف.. ثم كان الردع بإلقاء القبض على 70 من مثيري الشغب، التي قررت النيابة العامة حبس 52 منهم 15 يوما على ذمة التحقيق وعرض 15 على الطب الشرعي لمعرفة أعمارهم وإطلاق سراح 3 منهم بكفالة 300 جنيه. حق الجيرة والعشرة بعد انتهاء احداث فرشوط بيومين وما تبعها من حوادث فردية بقري أبو شوشة والعركي والقبيبة وهي في مجملها تصفية خلافات قديمة بين مسلمين وأقباط أو بسبب مشاحنات . ذهبت لمدينة فرشوط للمرة الثانية وكنت أريد مقابلة السيدة المسلمة التي طلبت مني تأمين العمارة التي يسكنها الأقباط، والبحث عن ذلك التاجر الذي كنت أراه من بعيد يمنع مثيري الشغب من سرقة محل يجاوره يوم السبت الماضي، طرقت على باب السيدة المسلمة فلم يرد أحد، ووجدت الرجل الذي أبحث عنه والذي لم أدرك من هيئته سوي طوله الفارع والمنطقة التي يوجد بها متجره. وكانت المصادفة أن المحل الذي يجاوره مفتوح أيضا ، بعد التعارف سألته ماذا حدث؟ رد بكر عثمان عمر تاجر ومأمور ضرائب قائلا في صباح السبت حدث تجمهر كبير أمام مركز الشرطة بسبب مطالبة الاهالي تسليم المتهم باغتصاب الفتاة وكان الأقباط قد قاموا بغلق متاجرهم بتعليمات أمنية وفي نفس اليوم جاء عدد كبير من الشباب دون العشرين محاولين الاعتداء على محل جاري القبطي ” جوزيف معزوز ” فمنعتهم وقاموا بعدها بسرقة المحال المجاورة والخلفية ، ثم جاءوا للمرة الثانية محاولين كسر المحل فمنعتهم وقمت بتهديدهم وأغلقت محلي لأحرس المتجرين حتى حضرت الشرطة وعينت حراسة على المحل، سألته لماذا فعلت ذلك؟ إنه حق الجيرة والعشرة بيننا، وتدخل جوزيف ليؤكد: أنا والحاج بكر إخوات وبينا عشرة من 10 سنين وفي يوم الحادث أغلقنا المحال في الظهر وكنت معتمدا على الله والحاج بكر وهو اللي منعهم من سرقة المحل وحرقه. الحاج بكر وجوزيف ليسا حالة فردية من التآخي في فرشوط، دعاني محمد عمر السايح من أعيان فرشوط الى شرب الشاي في مكتبه. قال ” السايح ” أهل فرشوط مسلمون وأقباط ناس محترمون والعلاقة بينهم احترام متبادل وإخوة ولم نتوقع ما حدث يوم السبت وكأنهم اختاروا الوقت المناسب، وفوجئنا بخروج حوالي 3000 من طلبة المدارس اغلبهم من القري المحيطة بعد انتهاء اليوم الدراسي وتجمهروا في الشوارع وبداوا بشارع البوسته الذي توجد به اغلب محلات الأقباط وقاموا بالسرقة وحرق المحالات التجارية لأن الإخوة الأقباط كانوا قد أغلقوا من أول اليوم ولما وجدنا الأمور تصاعدت قمت بإدخال عدد من سيارات معارفي الأقباط في الجراج الخاص بي. وقطع “السايح” حديثه ليعرفني بضيوفه جابر عبادة “تاجر عسل” وميشيل رمزي “تاجر أقمشة” لافتا أن احدهما مسلم والآخر قبطي، تاجر العسل المسلم أشار الى أن المدينة تأثرت اقتصاديا بسبب احداث الشغب وانعدمت حركة البيع والشراء بسبب إحجام أهل القري المجاورة عن نزول فرشوط، وقال إن الاهالي لم يستطيعوا السيطرة على الاحداث لان مرتكبيها صبية صغار واغلبهم من خارج فرشوط وأضاف نحن منزعجون لما حدث للإخوة الأقباط لأننا تربطنا بهم صلات تجارية وأخوية فلدي عمارتان يسكن فيهما 8 أسر قبطية. من المسجد الى الكنيسة ميشيل رمزي تدخل ليضفي بعض البهجة على الحديث بقفشاته مع السايح وعبادة وقال: أهل البلد المحترمون من الإخوة المسلمين قاموا بالواجب ففي أثناء قيام مجموعة من مثيري الشغب باقتحام محل عمي كرومل فخري وإشعال النيران فيه قام الأستاذ جمال أبو مخلوف وعائلته بإخماد الحريق ونقلوا البضاعة من المحل وخزنوها في بيتهم، وجاري الحاج عبد الحميد السايح وأولاده منعوهم من سرقة مواد البناء الخاصة بي والحاج محمد السايح جاء للبيت مرتين للاطمئنان علينا. ويشير محمد السايح الى العلاقات الأخوية بين الجانبين قائلا يوم جنازة أبونا أبرام خرج في جنازته 3000 مسلم ونحن لم نسمع نغمة مسيحي ومسلم غير يوم السبت الماضي ” دا إحنا يا أستاذ بنصلي العشاء وبعدين نروح الكنيسة نحضر أفراح إخوتنا المسيحيين ” واللي حصل يوم السبت هيزيد الروابط بينا وإحنا بنعاون الإخوة الأقباط لتجاوز ما حدث وإعادة فتح متاجرهم. احداث السبت الماضي نالت استنكارا واسعا على المستوي الشعبي والحزبي، فقد أكد عاطف محمود جابر نائب رئيس اللجنة العامة للوفد بقنا أن ما حدث نال استياء كل العقلاء وأضاف أن الاحداث لا يمكن تصنيفها بأنها طائفية، مشيرا الى أنها احداث شغب من قلة غير واعية و لا تدرك الروابط بين المسلمين والأقباط وقال إن الحزب أصدر بيانا للتنديد بتلك الاحداث. ومن جانبه أعلن جابر الراوي نقيب معلمي فرشوط مساندة النقابة للمدرسين الأقباط الذين تغيبوا عن مدارسهم بسبب الاحداث، حيث تقدم بطلب لوكيل وزارة التربية والتعليم بقنا ومدير الإدارة التعليمية بفرشوط يطلب فيه احتساب الأيام التي تغيبها المدرسون الأقباط كإجازة اعتيادية، وأدان “الراوي” الاحداث بقوله فوجئنا بأعداد لا حصر لها تقوم بأعمال تخريبية، ونحن نرفض تلك الهمجية وتربطنا علاقات وطيدة مع الإخوة الأقباط. جرائم ترفضها الأديان احداث فرشوط بكل تفاصيلها من شغب وسرقة ونهب وحرق الممتلكات ترفضها كل الأديان سألت الشيخ منصور فاوي أمام مسجد الرحمن بفرشوط عن رأي الدين فيما حدث؟ قال أمرنا ديننا بالمحافظة على حياة غير المسلمين قبل المسلمين “لهم مالنا وعليهم ما علينا” وما حدث هو نوع من أنواع البلطجة في غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو كل رب أسرة حرص على تنشئة أبنائه نشأة إسلامية لما وجدنا ذلك يحدث لان الدين ليس دين همجية ولا تطرف ولا إرهاب إنما امن وأمان واحترام متبادل بين الجميع، وما حدث بفرشوط هو حادث فردي، ففي ظل غياب القانون ساد البلاء والغباء، والعلاقة بين المسلم والمسيحي أخوية وهي التي لم يدركها هؤلاء الآثمونفي نظر الدين. وقال القمص صموئيل كامل إن التصرفات التي قام بها هؤلاء كانت بعيدة كل البعد عن الدين، فالمسلم الحقيقي هو من سلم الناس من يده ولسانه فأين تعاليم الإسلام في عقل هؤلاء؟ لقد تم إيذاء الأبرياء من التجار ومن المنازل الآمنة بأيدي وألسنة الذين يتسترون في موضوعات دينية، والسؤال هل وقوع حادث فردي يؤدي بالضرورة الى إيذاء كل الأبرياء وضرب اقتصاد بلدة بأكملها؟ أساءت تلك القلة الى العلاقات الاجتماعية والتجارية بين عائلات فرشوط الضاربة في القدم والتي ما كانت قائمة أبدا على الدين أو العرق.
* نقلاً عن جريدة الوفد
هذا ما يحدث فى فرشوط ان اهلها اهل كرم
الوحدة………………………………………………….