دعاة التجريح في الفضائيات
مصريات
من المؤكد اليقيني أن مفهوم الدولة عندما ترسخ كان الهدف منه هو تنظيم حركة المجتمع والحفاظ على تماسكه وأمنه من خلال مؤسسات بعينها موكل إليها اختصاصات محددة، تتكامل وتتقاطع جميعا من اجل مصلحة المجتمع وكافة أعضائه، وعندما وُجد القانون وجد لتنظيم حقوق وواجبات أعضاء المجتمع والأحتكام إلي النصوص القانونية التي تحفظ لكل فرد من أفراد المجتمع حقوقه، وبدون القانون وسيادته لا يمكن أن تكون هناك حماية للحقوق الفردية والجماعية… وعندما أوصي الله لرسله بدياناته المتلاحقة كان الغرض منها بث التسامح والتعاطف والتعاضد بين الناس وبث روح التعاون وتنظيم حياتهم الروحية وإعلاء قيمهم الإنسانية، ولم تكن على الإطلاق بغرض بث روح الشقاء والآلام للناس أيا كان الاستناد لأية نصوص معينة، فالأصل في الأديان جميعها هي خلق أنساق قيمية متسامحة تساهم في تحسين شروط الحياة والتفاعل مع معطيات كل عصر بما يسمح لتخفيف آلام الناس وشقائهم… لقد اعتصرتني ألما رسالة تسلمتها من أستاذ جامعي في ارقي التخصصات العلمية يعاتبني فيها، كيف لي ولأمثالى ممن يدافعون عن الدولة المدنية والحداثة وتفعيل قيم المواطنة وبث روح التسامح الديني، أن تتصدي لبعض الدعاة الذين يملأون شاشات الفضائيات يبثون روح العداء بين الديانات ويصبون كراهيتهم للأديان المغايرة، وتقول رسالته..”السيد الفاضل”…….” نظرا لأنني أتابع مقالاتك وحواراتك التليفزيونية التي تدافع فيها عن الدولة المدنية وتماسك البنيان الاجتماعي من روح الفتنة، وانك من اشد المدافعين عن دولة سيادة القانون وفصل الدين عن الدولة واحترام المعتقدات المتباينة في المجتمع من اجل بث روح التسامي والتسامح بين كل المواطنين، أود أن أطرح عليك سؤالا هل تشاهد أنت وأمثالك البرامج الدينية التي تبثها بعض القنوات الفضائية التي ترسخ للعداء بين الأديان وبث روح الفرقة بين أبناء الوطن الواحد…. فيا أستاذ صبري هل مثل هذا الكلام يساعد على خلق روح التسامح بين الأديان وهل يساعد كما تقول في مقالاتك على تماسك البنيان الاجتماعي، وكما قلت في احد مقالاتك أن من لا يريد السعي إلي تأمين انتصار الديمقراطية بتأمين البنيان الاجتماعي والحفاظ على المؤسسات المدنية فإنه يسعي إلي هدم القيمتين من الأساس وبذلك تهيمن قوي الفوضوية والعنصرية وتخلق البيئة الجاذبة لاستثمارات الإرهاب والنكوص والتخلف والعودة إلي دولة ما قبل المدنية… اليس هذا كلامك وكلام كل القوي الدعاية لاحترام الأخر، فكيف لا تتصدون لمثل هذه الوشايات التي تبثها أفواه الدعاة الإسلاميين ليحقروا ويحطوا من قيمة المختلفين دينيا ولكن يجمعهم وطن واحد ومصير واحد… انتهت الرسالة”…. وللأستاذ الجامعي الفاضل أقول له، معك كل الحق في الإحساسات التي انتابتك جراء هذه الأحاديث التي تنال من الآخر المختلف دينيا، ومعك كل الحق في أن القوى المدنية مقصورة في الدفاع عن حقوق المواطنة وإرساء معايير العقل والتسامح والانفتاح بعيدا عن الانغلاق والتشدد والتعصب.. ولكن اسمح لي بعدما عرضت رسالتك بشكل شبه كامل، أن انظر لهذا الموضوع الذي ينال ويحط من قيمة الآخر، إن هناك العديد من الدعاة تتسيدهم ثقافة الماضي وصاروا اقل تسامحا دينيا لأنهم محاصرون بالتشدد والتضحيات اللا متناهية والإحباط وعصور الانحطاط، والتي تفرز جماعات متشددة فكريا ودينيا، والتي معها تتنامي روح التعصب والعنف، سواء المعنوي أم المادي… نعم إن العديد من فتاوي وتأويلات بعض الدعاة كما أشارت رسالة الأستاذ الجامعي _ تفجر الوطن بكامله….. وأقول لكافة هؤلاء الدعاة… إن المعايير الدولية لحقوق الإنسان توفر ضمانات فعلية لجماعات الأقليات دينية كانت أو ثقافية أو قومية أو عرقية أو لغوية، فلهذه الأقليات الحق ليس فقط في أن تعترف الدولة بوجودها، بل وأيضا في أن تحمي هويتها الخاصة وان تهيئ الظروف المناسبة لتعزيز تلك الهوية، وللأشخاص المنتمين إلي أقليات كامل الحقوق الديمقراطية بما في ذلك حق المشاركة على قدم المساواة مع الآخرين _ الأغلبية _ في الشئون العامة للبلد والمشاركة في القرارات التي تمس جماعتهم الخاصة أو المناطق التي يعيشون فيها… وينبغي أن يكون إتباع نهج ايجابي تجاه حقوق الأقليات محكا لمدي ديمقراطية المجتمع…. فالديمقراطية يمكن فقط استخدامها إذا اتفق الناس على مواصلة العيش معا، وهذا يتطلب أن تكون الاغلبيات، حتى وإن كانت هناك نصوص دستورية تدعمها، أن تكون على استعداد لممارسة قدر من ضبط النفس، وألا تستخدم دوما قاعدة الأغلبية للسيطرة على كل شئ ولإعمال وجهة نظرها… وختاما، يا أيها الدعاة، “فليكن الوطن مكان سعادتنا أجمعين نبنيه بالحرية والفكر”
، هذا ما قاله رفاعة رافع الطهطاوي” منذ ما يزيد على 100 عام… فهل ونحن في الألفية الثالثة نجعل الوطن مكاناً لشقاء جزء من نسيج هذا الشعب؟… هل نجعل الوطن يلفظ ابنائه نظرا لأنهم لا ينتمون إلي ديننا ونحط من قدرهم ومعتقداتهم؟ هل نجعل الوطن ملاذا لبث روح التفرقة والتعصب؟… لقد آن الأوان في ظل مجتمع يبحث عن ديمقراطية حقيقية بتنمية اجتماعية واقتصادية حقيقة تكافح الفقر والجهل أن ننمي أفكارنا السياسية وان تضبط الديمقراطية بالمعايير القانونية التي ستظل هي الحامية والمحصنة للديمقراطية وتماسك البنيان الاجتماعي… آن الأوان أن نحتكم للقانون الذي ينظم كافة العلاقات سواء بين المجتمع وحكامه أو بين أعضاء المجتمع بعضهم البعض… آن الأوان أن نتخلي عن بث روح الفوضى والتشتيت والإهانات وخلخلة البنيان الاجتماعي… آن الأوان أن نعي الفروق بين حرية التعبير وحريات التجريح والإثارة وتشتيت المجتمع عن أهدافه الحقيقة في تحقيق التنمية والتطور… آن الأوان أن تمارس القوى السياسية الشرعية دورها الفعال ولا مجال للانقضاض على منجزات مصر المدنية… آن الأوان أن تكف طائفة الظلاميين عن اختراق ما حققته مصر من تنمية واستقلال… آن الأوان أن تمارس المؤسسات المدنية دورها في إطار القانون، وأن يكف بعض الأفراد والطوائف عن هتك عرض البنيان الاجتماعي… وألا يتعاملوا مع جزء أصيل من وطننا وشعبنا وتاريخنا باعتبارهم غرباء في وطنهم… آن الأوان أيها الدعاة أن تصمتوا وللأبد…