مصريات
صفاء ونعمة شقيقتان ظن الناس منذ طفولتهما المبكرة انهما توأم رغم فارق العام الذي يفصل بين عمريهما.. صفاء تسعى بكل جهدها لتلحق بركب المتفوقات من بنات العائلة واللاتي وصلن الى وظائف مرموقة ومناصب لامعة وكسبن احترام المجتمع.. بينما كانت نعمة لاتحلم ولا تتمنى ولا تفكر إلا في الشهرة والاضواء ونجومية أهل الفن..ظلت أمنيات نعمة دفينة في أعماقها لاتبوح بها لمخلوق خوفا من جبروت أبيها وبطشه وتطرف طباعه الشرقية.. إلا أن الأب ودع الحياة مبكرا ودون مقدمات.. حزنت الشقيقتان واتشحتا بالسواد.. لكن مشاعر الحرية التي تدق ابواب نعمة كانت سلواها الوحيدة من صدمة فراق الأب الصارم.. كانت صفاء واثقة من أن الايام الحلوة رحلت مع ابيها بينما نعمة واثقة من أن أيامها الحلوة تنتظرها على احر من الجمر.. تخرجت صفاء في الجامعة والتحقت بالعمل مدرسة في المدرسة الاعدادية القريبة من القرية.. بينما رسبت نعمة عامين متتاليين .. ركبت رأسها بعدهما وهي تقنع امها بأنه لاسبيل امامها سوى العمل بالفن.. رفضت الأم بإصرار حتى سقطت مريضة.. وحاولت صفاء مع نعمة دون جدوى.. سافرت نعمة للقاهرة كما اخبرت شقيقتها.. لم تحتمل الأم الصدمة فلحقت بزوجها في الدار الآخرة.. وبكت صفاء كما لم تبك من قبل فراق ست الحبايب، وخجلت نعمة من الذهاب الى القرية للعزاء في امها تحاشيا لنظرات كل اهل البلدة الذين وصلهم خبر احتراف نعمة للرقص الشرقي..تزوجت صفاء من ابن عمها خالد.. وتمر الايام وتدور دورتها.. تحقق نعمة بعض الشهرة التي كانت تحلم بها.. وتقفز الى إحدى دوائر الضوء كما كانت تتمنى.. وتمتلك رصيدا بالبنك وسيارة فارهة وشقة في أحد الأحياء الراقية.. بل وتتسع دائرة معارفها وصداقاتها ونفوذها..
وكانت المفاجأة حينما بدأ بعض أهالى القرية يقصدونها في بعض الخدمات واخفت نغمة الهجوم عليها والسخرية منها والندم على إلقائها بالحجارة حينما كانت تزور البلدة قبل أن تحقق شهرتها..
ذات مساء ذاع في القرية خبر مثير يؤكد أن ستة ذئاب حاولوا اغتصاب نعمة إثر خطفها من سيارتها.. ثار زوج صفاء الذي كان يستعد لخوض انتخابات المجلس المحلي وكان الخبر كالقشة التي قصمت ظهر البعير.. تشاجر مع صفاء التي عجزت عن كبح جماح أختها.. سافر الى القاهرة لينذرها اذا لم تتراجع عن مهنتها التي جلبت العار لاسرتها.. واستقبلته نعمة بترحاب اطفأ نيران الغضب في صدره.. . تغيرت نبرة ابن العم وراح يشكو لنعمة الأضرار التي يعاني منها بسبب احترافها الرقص.. وأقسمت نعمة تؤكد له أنها ستحيل هذه الاضرار الى مزايا يشكرها عليها.. ويخفي دهشته من زوج نعمة الذي ليأتي هذه الشقة إلا نادرا كما اخبرته اخت زوجته..اتصلت نعمة باختها .. وطارت صفاء من الفرحة بأخبار الصلح بين زوجها واختها.. وبعد إلحاح يوافق ابن العم على المبيت بشقة نعمة كما طلبت منه زوجته التي وعدته بأن تلحق بزيارة اختها في الصباح.. ويخلع ابن العم الجاكت الثقيل وتأخذه نعمة الى حجرات الشقة ليشاهد المستوى الذي تعيش فيه.. يتناولان معا طعام العشاء ثم يدلف ابن العم الى حجرة النوم الثانية بينما تسرع نعمة الى حجرة نومها لتحقق بعض الراحة كعادتها يوم اجازتها الأسبوعية!.. لكن اللحظات التالية كانت في غاية القسوة..سمع ابن العم صوت حركة في كالون باب الشقة.. اعتقد في البدية ان زوج نعمة قد وصل، لكنه عاد وتذكر انها اخبرته إن زوجها مسافر منذ أول امس الى اوروبا ولن يرجع قبل اسبوعين.. لعبت الظنون برأسه.. قد يكون لصا بالباب أو شخصا طامعا في انوثة نعمة.. اتجه الى الجاكت المخلوع.. اخرج منه مسدس صوت يحمله للطوارئ.. فتح باب حجرته في نفس اللحظة التي شاهده فيها الزائر المجهول.. طلب منه ابن العم ان يرفع يديه لأعلى.. لكن نعمة تخرج من حجرتها مذهولة.. تصرخ في زوجها ألا يتهور قبل ان تقص عليه قصة الرجل الذي يقف امامه.. إلا أن الزوج يخرج مسدسه بسرعة البرق ويصوبه نحو ابن العم وهو يصرخ..كنت اعرف انك خائنة.. تستقر الرصاصة في صدر نعمة.. تنطلق رصاصة ثانية وثالثة تردي ابن العم قتيلا هو الآخر..
أمام المحكمة يثبت المدعي بالحق المدني ان ابن العم لم يكن يحمل غير مسدس صوت وبالتالى لم يكن الزوج في حالة من حالات الدفاع الشرعي.. وحتى لو كانت اوهامه حقيقية فإن زوجته لم تكن في حالة تلبس بالزنا بل كانت في حجرة والشخص الذي لم يكن الزوج يعرفه في حجرة أخري.. كما أن مسدس الصوت لم تنطلق منه ي أعيرة.. ورد دفاع الزوج بأنه لا يشترط أن يكون السلاح الذي أدخل الخوف والهلع في قلب المتهم سلاحا حقيقيا أو تنطلق منه اعيرة..
بل إن حالة الدفاع الشرعي تتحقق بقيام الخطر الحقيقي في نفس الشخص.. كما أن حالة التلبس لاداعي لاثارتها في الدعوى لأن وجود الخطر المتمثل في المسدس الذي ليعرف احد أنه مسدس صوت غير صاحبه قد تحقق وتحققت معه حالة الدفاع الشرعي عن النفس وليس الشرف.. حكمت المحكمة في النهاية على الزوج بالسجن ثلاث سنوات.