مصريات
كان على نيتشه أن ينتظر كثيرا كي يتأكد أن الله في السماء عندما فتنته الأنغام الساحرة وهي تنساب من عازف الكمان المعجزة في ذلك الوقت يهودي منوهن, ولن تتوقف موهبة الأخير عند هذا الحد إذ راح يفسر إبداعات الموسيقيين على مدار قرون ثلاثة ليصبح واحدا من أشهر قادة الأوركسترا في العالم متفوقا على أيقونة القرن العشرين ابن سالزبورج النمساوي هربرت فون كاريان(1908 ـ1989).
وقبل سنوات يرحل منوهن عن عالمنا في عام1999, وجاء خبر موته متسللا على استحياء لبعض صحفنا مقتضبا خاليا من معلومة تشير الي مكانته في تاريخ الموسيقى السيمفونية وخروجا عن تلك القاعدة تصدت دورية يومية رصينة لأعمال الرجل لكن الكاتب بدا والحيرة قد أحاطته من كل صوب وحدب, إذ ذهب يدبج جملا ومفردات تؤكد وباستماتة أن الموسيقي الشهير كان مناصرا للقضية الفلسطينية والحق العربي ولم يكن صهيونيا حتي يبرر لنفسه كتابته عن منوهن اليهودي, والحق أن الكاتب كان معذورا فإن لم يفعل لصار في دائرة الريبة متهما بتلك الآفة المسماة بالتطبيع!!
وكم من أسماء لشخصيات عظيمة عاشت ورحلت دون أن ندري شيئا عن أعمالها واسهاماتها الانسانية الفريدة والسبب هو أن أدبياتنا تفرغت لقدحها تارة لانتماءاتها الدينية, خصوصا اليهودية أو لصفاتها التي قد تبدو من وجهة نظرهم غير أخلاقية تارة أخري!
وكان مفترضا أن يحدث هذا مع مايكل جاكسون خاصة أن سلوكياته الشخصية لم تكن مألوفة لكن المفاجأة كانت العكس, فها هي وفاته تحتل مكانة تستحقها في الصفحات الأولي بالصحف القومية والحزبية والمستقلة صغيرة أو كبيرة, ولم تقف الانتماءات الدينية لكتابات سيارة حائلا أمام الإشادة بالراحل الفذ والغريب أن ما ناله لم يحظ به الفيس بريسلي ملك الروك آند رول, فسلوكه الحياتي كان أهم لدينا من ثورته الايقاعية وابداعاته الخالدة!
إن ما حدث مع ملك البوب قد يعتبره البعض استثناء, لكن لا أدري لماذا تفاءلت خيرا فربما كانت تلك بداية نحو السير في اتجاه يكرس ثقافة التقويم الموضوعي والخلاق وفي نفس الوقت تقدير ابداعات البشر أيا كانت دياناتهم أو معتقداتهم أو طريقة حياتهم مثلما يفعلون هم معنا, نأمل ذلك حتي لا نكون خارج العالم المتحضر!
سيد عبد المجيد