بقلم رؤوف صبحي – أصبح لغز الثقوب السوداء في الفضاء. أعمق سر يجابه علماء الفلك. ليس في الوقت الحاضر فحسب. ولكن لسنوات طويلة قادمة أيضا. وبالنسبة لعلماء الفيزياء النووية. يعتبر الثقب الأسود حالة عجيبة تقلب قوانينهم رأساً على عقب. فالمادة التي تنهار لإحداث الثقب الأسود تختفي -كما نعرفها- ببساطة!
ويعبر علماء الفلك عن نظام الكون الرائع بمعادلات رياضية. وترشدهم هذه المعادلات إلى بعض أسرار الكون المثيرة التي قد لا تتقبلها -في بعض الأحيان- عقولنا.
فيستخدم العلماء المعادلات الرياضية. في تقدير أحجام النجوم والمجرات والعناقيد المجرّية. ويحددون تفاعلاتها والسرعة التي تستنفد بها مادتها. وبالتفاعلات الحرارية والنووية.
– ما هو حد .. شاندرا سيكار؟
وليس كل نجم يموت. تتجمع بقاياه في قبر أو ثقب أسود. بل إن الذي يحدد نوع قبره هو حجمه وطريقة حياته. إن النجم عندما يصل إلى نهاية عمره الحراري- النووي. لا يستطيع أن يبلغ حالة توازن القزم الأبيض. إذا كانت كتلته أكبر من حد معين وضعه عالم الفيزياء الهندي “سوبرامانيان شاندرا سيكار” “1910 – 1995” ومن ثم أطلق عليه “حد شاندرا سيكار” Chandca Sekhar ويبلغ 4.1 قدر كتلة الشمس. ولا يستطيع النجم أن يتقلص إلى نجم نيوتروني إذا تجاوزت كتلته 2.3 قدر كتلة الشمس. بل يتحول إلى ثقب أسود. وتوصل شاندرا سيكار إلى هذه الأرقام بمعادلة رياضية تأخذ كتلة النجم في الحسبان.
وقد تتساءل: إذن ما هو مصير النجم. عندما يصل إلى نهاية عمره الحراري- النووي. وكتلته تتجاوز حد شاندرا سيكار؟ تسألني فأجيبك: يكون الضغط الداخلي قليلا. ولا يستطيع دعم النجم. لذلك ينهار النجم. وهناك احتمال أنه في أثناء الانهيار يحدث انفجار مروّع يفتت النجم. ويلقي بمعظم كتلته في الفضاء. ومابقى منه يتحول إلى نجم نيوتروني. أي تتكون مادته من جسيمات النيوترون فقط. بعد اتحاد الالكترونات “شحنات سالبة” مع النيوترونات “شحنات موجبة” لتكوين النيوترونات “شحنات متعادلة”. وهذا ما حدث في سديم السرطان بمجموعة “الثور”. وشاهده الفلكيون الصينيون في عام 1054 ميلادية.
أما الاحتمال الثاني فهو أن ينهار النجم. انهيارًا مطلقا نتيجة للضغط الهائل والجاذبية الرهيبة. وعندها تختفي الفراغات في الذرات. وتظهر المادة بصورة أخري غريبة غير مألوفة لنا. لا ندري كيف نصفها. ففي الثقوب السوداء تنهار الكيانات الذرية. وتتلاحم الجسيمات وتضيع الفراغات وتختفي الشحنات. فلابد أن يتمخض كل هذا عن موت على مستوي النجوم. ولا تشذ شمسنا- وهي نجم متوسط من بين نجوم الفضاء- عن ذلك. ولكن هل هذا يعني أن الشمس سوف تنهار يوما ما. وتموت وتتقوض على نفسها. وتتحول إلى ثقب أسود؟ ستموت الشمس حقا بعد نحو خمسة آلاف مليون سنة “خمسة بلايين سنة”. ولكنها لن تتحول إلى ثقب أسود. بل إلى عملاق أحمر ثم إلى قزم أبيض لأن كتلتها أقل من حد شاندرا سيكار. وقد حصل شاندرا سيكار على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1983.
إن النجم النيوتروني الميت- برغم كثافته وثقله الخرافي. حيث يبلغ وزن السنتيمتر المكعب الواحد فيه حوالى مائة مليون طن- لو مد طوله للشكل المعتاد. لبلغ حوالى عشرة كيلومترات.
كل هذا لا يقاس بالثقب الأسود. فالثقب الأسود أكثر كثافة وأثقل وزنا وأعظم جاذبية. وأقل حجماً من النجم النيوتروني بحوالى ثلاث مرات.
– ما هو نصف قطر شنارز شايلد؟
وقد كان لأبحاث العالم الفيزيائي الألماني “كارل شنارز شايلد” “1873 – 1916” ومعادلاته الرياضية. أثر في تفهم الكثير عن الثقوب السوداء. فقد انصب اهتمام هذا العالم على الأجسام الكروية الصغيرة ذات الكثافة العالية. وقال ليثبت نظريته. بأننا إذا أخذنا الشمس -التي يبلغ نصف قطرها حوالى 700 ألف كيلومتر- وقمنا بضغطها دون أن نخفض من كتلتها. فإن أشعتها ستجد صعوبة في الانطلاق منها. وعندما يتقلص نصف قطر الشمس إلى حد معين. فإن الضوء لن ينطلق منها على الاطلاق. وهذا الحد يمكن الوصول إليه بالمعادلة التي أطلق عليها “نصف قطر شنارز شايلد” Schwarzschild Radius.
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – –
نصف قطر شنارز شايلد ½
2 ج ك
س ض2
حيث ج ½ ثابت الجاذبية “الذي يحدد مدى شدة الجاذبية”
ك ½ كتلة النجم الحالية
س ض ½ سرعة الضوء في الثانية “300 ألف كيلو متر”
فإذا أخذنا الشمس كمثال:
2*7.6*10-11*2*-10 30 ½ حوالى 3 كيلومترات
“3*10 8”
أي أنه إذا أصبح نصف قطر الشمس حوالى 3 كيلومترات “نصف قطرها الآن حوالى 700 ألف كيلومتر”. فلن ينبعث منها أي ضوء وتصبح ثقبا أسود.
وفي هذه المعادلة حسبنا كتلة الشمس بالكيلوجرامات
“2*10 30” أي رقم اثنين وأمامها 30 صفراً
حيث قيمة “ج” ½ 7.6*10 -11 جرام/ ثانية “رقم ثابت”
وقيمة “س ض” ½ 3*10 8 سنتيمتر/ثانية
وإذا قمنا بحساب نصف قطر شنارز شايلد بالنسبة لكوكب الأرض -لمجرد التمثيل- حيث أن كتلتها 6*10 24 كيلوجرام. لوجدنا أنه -بالفرض المستحيل- لو تحولت الأرض إلى ثقب أسود. لكان نصف قطرها أقل من سنتيمتر واحد!
هل يصبح كوكب الأرض ثقباً أسود؟
ولكن كوكب الأرض لن يصبح أبداً ثقباً أسود. فالكواكب توابع النجوم، ثم ان دورة حياة الكواكب تختلف تماماً عن أسلوب حياة النجوم التي تتمثل في تفاعلات نووية – حرارية غاية في العنف والشراسة، تظل تحتدم في مركز النجم وسطحه تقوم بالتهام كتلته كلما تقدم في العمر، فإذا لم تجد ما تأكله حدث الانهيار التام، ومات النجم في قبره.. إما كقزم الأبيض أو كنجم نيوتروني أو كثقب أسود، وعندما يصبح نصف قطر النجم أقل من نصف القطر الحرج “نصف قطر شنارز شايلد”، تسيطر قوى الجاذبية المروّعة على جميع أنواع القوى الأخرى، وتكون هي العامل الجبار الذي يقوم بسحق المادة الموجودة داخل النجم المنهار.