مروة شهيدة العنصرية والارهاب
مصريات
كتب : وائل لطفي
أما أن مروة الشربينى شهيدة فهى شهيدة، وأما أنها شهيدة «الحجاب» كما نطقت الألسن الغاضبة وصرخت الحناجر الملتهبة وردد البعض استجابة لغضب ولوعة ثقلان القلب حينا ولغرض سياسى حينا آخر فهذا ما يستحق التوقف والنقاش حتى لا يعمينا الغضب، وهو بالمناسبة فرض – فنخرج من المعركة بـ «أقصى خسائر ممكنة» وهى سنة عربية وإسلامية حافظنا عليها منذ قرون ومازلنا حتى الآن. أما قاتل مروة فهو عنصرى حقير ملووث وملتاث يستحق الإعدام فى ميدان عام ليس لأنه «عدو الحجاب»، ولكن لأنه «عنصرى» و«عدو للآخر» وعلينا ونحن نطالب بالقصاص منه أو من غيره أن نعرف أى جريمة نطلب أن نعاقبه حتى لانرتكب نفس الجريمة التى نطالب بعقاب غيرنا عليها! الحادثة المؤسفة والمأساوية تحولت مثل أشياء كثيرة فى حياتنا إلى قميص عثمان، وأن الجميع انبرى بدافع الغضب حينا وهذا مفهوم ومقدر وبدافع الرغبة فى انتهاز الموقف سياسيا وهذه حقارة ودناءة سياسية مجربة ومعروفة، وبدافع الرغبة فى الاتحاد ضد عدو مجانى لايكلف عداؤه ثمنا حينا، وهذه حيلة العاجز، وبدافع الرغبة فى ركوب موجة شعبية على غرار موجة الغضب من الرسوم المسيئة .
اندفع الجميع ليطلقوا على الشهيدة لقب شهيدة الحجاب، وكأن القاتل كان يساومها على حياتها أو أن تخلع الحجاب فاختارت الحجاب وهذا لم يحدث، وشاهد الحال أيضا أن جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسى وغير السياسى سارعت لتطلق لقب شهيدة الحجاب على سيدة هى شهيدة بالفعل ولكنها شهيدة العنصرية والإرهاب، ولم يتوقف أحد ليحاول أن يفهم أو يستوثق، وحول الجميع المناسبة الحزينة والحزن الجليل لـ(فرح العمدة)، وانطلق الجميع يطلقون النار مادامت الطلقات فى الهواء وتنطلق من مسدس صوت أحيانا، وكان من المدهش أو ربما غير المدهش أن ترى أعضاء مجلس نقابة الصيادلة بلحاهم التى تكاد تصل إلى منتصف بطونهم ينظمون وقفة احتجاجية للتضامن مع الشهيدة، ولم يكن مدهشا أيضا أن ترى أعضاء وكوادر وقيادات جماعة الإخوان بالإسكندرية ينفرون خفافا وثقالا إلى الجنازة لا احتجاجا على عنصرية شخص بغيض لم يقبل أن تشاركه الحياة إنسانة من ثقافة مختلفة، ولكن طلبا للثأر لـ(شهيدة الحجاب). وكان من المدهش أيضا وربما من غير المدهش أن ترى من يندفعون بسذاجة مفرطة لشن الحرب ضد من أسموهم بأعداء الحجاب فى مصر! ويضعون قائمة طويلة بكل من أبدى رأيا فى شرعية الحجاب من عدمه، ويعتبرون أن هؤلاء قتلوا مروة! أو أن دم مروة فى رقبة هؤلاء! أو أن قتل مروة قد بدا من القاهرة وهو كلام يعبر عن طريقة فى فهم الأمور يجب مناقشتها والتوقف عندها حتى لا نظل أسرى للهواجس التى تقول إننا أحسن ناس وأفضل ناس وأن علينا أن نرد على أى تطرف لدى الغرب بتطرف مضاد له فى الاتجاه ومساو له فى السرعة حتى لو كنا لانفهم ما هو نوع التطرف الذى على أساسه ارتكب الجانى جريمته.
ولكن ما دامت الشهيدة محجبة فالجانى عدو الحجاب، ومادامت مسلمة فالجانى متخصص فى العداء للإسلام، ومادامت مصرية فالمصريون هم الهدف الأساسى للمتطرفين الألمان وووو…إلخ، وهذه مع كل الاحترام لفورة العواطف وجلال الأحزان ليست سوى وجهة نظر ضيقة وذاتية لا تقل ضيقا عن وجهة نظر من نشكو من تطرفهم.
ولكى نضع النقاط فوق الحروف ينبغى أن نعترف أولا أن أحدا لم يعط نفسه فرصة للفهم أو للمعرفة، وينبغى ثانيا أن نفهم أن الشهيدة مروة الشربينى هى شهيدة (العنصرية) وليست شهيدة الحجاب وأن قاتلها شخص عنصرى وليس متخصصا فى العداء للحجاب، فقط الشخص العنصرى هو شخص يؤمن بتفوق الجنس الذى ينتمى إليه وبأنه أرقى من كل الأجناس الأخرى وهو يناصب الذين ينتمون إلي الأجناس الأخرى العداء سواء كانوا مسلمين أو يهودا أو هندوساً أو بوذيين، وعلى سبيل المثال فإن النازى أدولف هتلر كان اله العنصرية فى القرن العشرين، وكان يرى أن الجنس الآرى الذى ينتمى إليه الألمان أرقى من الأجناس الأخرى، وكان هذا مع عوامل أخرى مركبة سببا فى عدائه لليهود الذين ينتمون للجنس السامى وكان بعض العرب والمصريين الطيبين وزعماء الثورة الفلسطينية وقتها يرون فى هتلر حليفا ونصيرا ومخلصا إما بسبب عدائه لليهود أو بسبب عدائه لبريطانيا،.
وكان هناك من يزعق فى البرية مثل الأستاذ محمود عباس العقاد ليفهم هؤلاء أن من أقدم على اضطهاد اليهود لانهم ينتمون إلى الجنس السامى سيكرر نفس السلوك مع العرب الذين ينتمون لنفس الجنس، ذلك أن المسألة لايحكمها منطق ولكن نظرة فلسفية مريضة وبغيضة وفكرة متسلطة، هتلر نفسه كمثال على الفكر العنصرى كان يمارس نفس السلوك مع الغجر ومع المعاقين، لأنه لم يكن يؤمن سوى بالإنسان الأبيض الكامل وهكذا ستجد هذا المعتدى الذى طعن مروة الشربينى يحتقر ويعادى كل من يخالفه فى العرق أو فى الدين أو فى الثقافة أو فى الملبس أو أسلوب الحياة، وهكذا حتى نفهم إلى أين نوجه سهامنا يجب أن نعلم أن نفس المعتدى كان يمكن أن يوجه سلوكه لسيدة هندوسية ترتدى السارى الهندى مثلا لأنها أيضا من عرق مختلف عن عرقه ومن دين مختلف عن دينه سواء كان هذا الدين هو الإسلام أو البوذيه أو الهندوكية، يجب أيضا أن نعلم قبل أن نغضب وبعد أن نغضب أيضا أن الإسلام أو اليهودية أو اللون الأسود أو الأصفر ليست هى ما يستفز العنصرى وليست هى عدوه الأول ذلك أن ما يستفزه وما يعتبره عدوه هو (الاختلاف)، ولو وعينا هذا الدرس ونحن نكاد نمزق أنفسنا غضبا لأدركنا أن علينا كى لا نكون عنصريين أن نحترم نحن أيضا فضيلة الاختلاف لا أن نطالب بحرق كل من أبدى رأيا فى الحجاب بتهمة أنه حرض على قتل الشهيدة حين أبدى رأيه منذ سنوات! إن جينات الانتهازية السياسية الكامنة فى عقول جماعة الاتجار السياسى بالدين تصك شعار (شهيدة الحجاب) تمهيدا لمزيد من المضايقة والتضييق على المصريات اللاتى لا يرتدين غطاء الرأس سواء كن مسلمات أو مسيحيات وكأننا نرتكب نفس الخطيئة التى تجمهرنا وتظاهرنا لندينها ونمارس العنصرية ضد من يملكون رأيا مختلفا فى عملية فرض وتعميم الحجاب على كل المصريات وليس فى الحجاب نفسه وبالتالى نمارس نفس العنصرية ضد غير المحجبات.
إذا امتلكنا الرؤية والشجاعة لكى نضع غضبنا تحت مجهر الحقيقة ونحدد لماذا نحن غاضبون من هذا القاتل؟ وإذا سألنا أنفسنا هل نحن غاضبون لأنه عنصرى حقير عدو للبشرية كلها؟ أم غاضبون لأنه قتل سيدة من قبيلتنا وجماعتنا وعصبيتنا؟ لو وضعنا غضبنا تحت مجهر الحقيقة واتفقنا أننا غاضبون من القاتل لأنه عنصرى ولأنه عدو للاختلاف وللمختلفين عنه يمكن ساعتها أن نتحدث ويمكن أيضا أن نخجل ونحن نضبط أنفسنا متلبسين بالعنصرية ونسأل أنفسنا لماذا يمارس بعض متطرفينا العنصرية البغيضة ضد الأقباط؟ ولماذا يطلق الأطفال فى الأحياء الشعبية على زملائهم الأقباط ألقابا مثل (أربعة ريشة) و(عضمة زرقاء)؟ ولا لماذا يرد بعض الاقباط بطائفية وعنصرية مضادة؟ لو كنا صادقين فى غضبنا من العنصرية لسألنا أنفسنا لماذا لاتتزوج امرأة مصرية بيضاء من رجل مصرى أسمر إلا فى الأحلام أو أقسام الشرطة ،(تذكر واقعة البرلمانى المعارض والكبيرالذى رفض أن تتزوج ابنته من عريس كامل المواصفات لا لشىء إلا لأنه أسمر البشرة)، ولو كنا صادقين أيضا لشعرنا بمزيد من الخجل لأن بعض مواطنينا قاموا بإحراق منازل جيرانهم البهائيين لأنهم (مختلفون) عنهم فى الدين ،وهى ممارسة لاتختلف فى شىء عن ممارسة القاتل الذى سدد الطعنات لجسد مروة، لو نظرنا لغضبنا فى غضب ولو وضعناه فى النور حتى لايبقى غضبا أعمى، سيكون علينا أن نجرى كل هذه المراجعات، وأن نحاول أن نجيب عن كل هذه الأسئلة، وأن نبذل مجهودا كى تكون الإجابة صحيحة، ولكن هذا هو الاختيار الصعب، أما الاختيار السهل فهو أن نقول إن هذا القاتل وأشباهه هم أعداء الإسلام والحجاب فقط وليسوا أعداء أى ثقافة تختلف مع ثقافتهم وبما أنهم مسيحيون بيض يعيشون فى ألمانيا فإن علينا أن نعادى كل المسيحيين وكل البيض وكل الألمان، وبما أن الشهيدة كانت محجبة فإن علينا أن نضطهد كل غير المحجبات وكل من يملك رأيا فى الحجاب، وأن نتهمه بالعمالة للذين قتلوا مروة وبالتحريض على قتلها وأن نواصل نفس السلوك مع كل من يختلفون معنا فى الدين أو اللون أو الثقافة وبالتالى نتحول إلى نسخة أخرى من القاتل.