مشيرة خطاب : تنفي أنها قالت إن الناس في مصر بتدلع
العمل.. في الساعة الخامسة والعشرين!
عايدة رزق
أصبت بخيبة أمل عندما قرأت أخيرا أن مشيرة خطاب وزيرة الدولة للأسرة والسكان نفت أنها قالت إن الناس في مصر بتدلع.. ربما لأن ما نفته الوزيرة هو الحقيقة التي لا يريد أحد الآن الاعتراف بها.. وقبل أن يتهمني البعض بأنني أعيش خارج الزمان والمكان ولا أشعر بمعاناة البشر في مصر.
أسارع وأقول إن أحدا لا يستطيع أن ينكر معاناة المواطن المصري حين تنجرح كبرياؤه عندما يضطر إلي مد اليد بالسؤال في أوقات الأزمات.. وتنطلق هواجسه تجاه مستقبل لا يري له علامات.. وتذبل مواهبه من خلال نظام تعليم قائم علي تلقين الأفكار والمعلومات.. ويزداد إحباطه وهو يبحث عن عمل ليتزوج وينجب البنين والبنات.. وتنحصر متعته في الجلوس مع الحبيبة علي كورنيش النيل يتبادلان النظرات والأمنيات.. وتختصر فرحته في انتصار ناديه في المسابقات والمباريات.. وتتعثر خطاه وهو يقف أمام مكاتب الخدمات بالساعات.. وتعتل صحته من الهواء المحمل بالملوثات ومن الطعام الممزوج بالمبيدات.. وتتضخم مخاوفه حين يمرض ويهمله الأطباء في العيادات والمستشفيات.. وينكسر قلبه حين يشيخ فجأة وينضم إلي فئة المعاشات.. ويطير عقله وهو يري سكان المنتجعات.. بعد كل ذلك لا أحد يستطيع أن يجادل في قسوة الواقع الذي يعيش فيه معظم المصريين.. لكن أيضا لا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك شيئا ما خطأ في علاقة الإنسان المصري بالعمل.. وإذا حاولت عزيزي القارئ استرجاع أحداث آخر مرة تعاملت فيها مع عامل بعد أن اكتشفت وجود عطل في الثلاجة أو سخان المياه.
ستجد أن لسيناريو كان كالآتي: يحضر العامل بعد الميعاد الذي حدده بساعتين لينظر إلي مكان العطل ثم يكتشف أنه نسي أدواته.. فيقرر أن يذهب لإحضارها ويدعي أنه سيعود بعد ساعة واحدة.. لكنه لن يعود قبل اليوم التالي بقطعة غيار يوهمك بأنها مستوردة.. فهل هذا العامل يؤدي عمله بإتقان أم يؤديه بدلع؟.. دعك من هذا العامل وتجول في شوارع القاهرة الرئيسية والخلفية في الساعة الثانية عشرة ظهرا.. وهي الساعة التي ينبغي أن يكون فيها معظم البشر في أماكن عملهم.. سيدهشك عدد السيارات وعدد الغادين والرائحين.. وتأكد أن معظمهم غادروا مقر عملهم قبل الانصراف لأسباب واهية.. أي أنهم مزوغون.. وتأكد أيضا أنك لو عدت غدا ستراهم يعبرون الشارع نفسه في الميعاد نفسه.. فهل يعمل هؤلاء بجدية أم بدلع؟.. وأذكر أنني منذ نحو عشر سنوات سألت د. يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي عن علاقة الإنسان المصري بالعمل.. فقال إننا ورثنا من الماضي قيما لم نستطع أن نتخلص منها.. قيم مجتمع زراعي متكاسل.. ينثر البذور وينتظر.. لا عقاب ولا ثواب ولا منافسة.. ومرت السنوات وتغيرت الأحوال.
ومع ذلك ظلت علاقة المصري بالعمل ترتبط بحاجته للمال وليسبحبه للعمل.. إلي جانب أنه يعمل في الساعة الخامسة والعشرين.. أي في الوقت الضائع وفي اللحظة الأخيرة.. حيث يمر الوقت الأصلي في الثرثرة وتوافه الأمور. أما إدوارد وليام لين فقد قال في النصف الأول من القرن التاسع عشر في كتابه المصريون المحدثون.. شمائلهم وعاداتهم: إن العامل المصري يعمل يومين عملا يستطيع إنجازه في يوم واحد.. ويؤجل أعمالا مهمة ليصرف وقته في التدخين.
ويبقي سؤال: ماذا تعني كلمات د. يسري وكلمات مستر لين إذا لم تكن تعني أن المصريين مدلعون؟!
* نقلا عن جريدة الأهرام المصرية