مصريات – د.إيرينى ثابت: هل هناك فرق بين أن تكونى غريبة وأن تكونى مغتربة؟ وأيهما أفضل؟
وهل هناك مشاكل ترتبط بالغربة وأخرى بالتغرب؟ وأيهما أسهل التغلب عليها؟
فى العصور القديمة لم يكن من الممكن أبدا أن يسمح للفتاة أن تغترب من أجل أى شئ سوى الزواج.. فلم يسمح للفتاة بترك منزل أسرتها والانتقال لتعيش وحدها بعيدا عنهم من أجل التعليم مثلا.. وعليها أن تلتحق بأى نوع تختاره من التعليم، على شريطة أن يكون فى نطاق المدينة التى تعيش فيها أسرتها..
ولما اختلف الحال وأصبحت الدنيا أكثر تقدما وأصغر مما كانت عليه، بدأ المتفتحون فى إرسال بناتهم – كما اعتادوا أن يرسلوا أبناءهم – لطلب العلم فى مدينة أخرى..
مصريات مغتربات من الصعيد
شيئا فشيئا بدأت فتيات الصعيد والوجه القبلى وفتيات مدن وقرى الوجه البحرى فى الانتقال إلى القاهرة للالتحاق بالكليات التى لا مثيل لها فى محافظاتهم.
ولكن بعدما تنتهى الفتاة من دراستها التى اغتربت من أجلها، تعود إلى بلدتها وإلى منزل أسرتها مرة أخرى.
إما أن يوافق الأهل على تغرب الفتاة بعد أن أنهت دراستها الجامعية فهو ما يزال قيد الاختلاف حتى الآن.
أو أن يسمح للفتاة بالتغرب من أجل العمل فهو ما لا يوافق عليه كثير من الأسر المصرية ويعتبرون التغرب من أجل العمل عيبا كبيرا وكأنهم لا يستطيعون إعالة بناتهم فيتركونهن لكسب معيشتهن والحياة بمفردهن بعيدا عن الأسرة؟؟
مزايا اغتراب البنات
وللاغتراب مزايا لا يشعر بها الكثيرون، وقد لا يدركها الآباء فيتمسكون ببقاء الفتاة فى منزل الأسرة.
وأول ما تجنيه الفتاة من مزايا الاغتراب هو الشعور بالاستقلالية والنضج.. وهو ما قد لا يمنحه لها بقاؤها معتمدة على ذويها.
فالفتاة المغتربة تتخذ قراراتها اليومية بنفسها ولا تعود لتجد من يدللها ويعد لها طعامها ويفكر لها ويحثها على المذاكرة وينظم لها حياتها وحاجياتها.. كما هو الحال مع الفتاة التى لم تترك منزل والديها.
وهكذا تجابه الفتاة المغتربة الحياة الحقيقية مما يساعدها على نضج تفكيرها وتصرفاتها.
فى حين تظل الفتاة غير المغتربة غريبة عن الحياة الحقيقية وعن الواقع العملى.
كما تتميز الفتاة المغتربة بما يمكن أن نسميه القدرة على التفاعل المجتمعى، إذ إنها تنغرس فى المجتمع أكثر من غيرها ممن تقتصر حياتهن المجتمعية على مقابلات عابرة مع صديقاتهن وقضاء وقت محدود فى المجتمع، أما المغتربة فمهما كان نوع شخصيتها فهى مضطرة للتعامل مع فتيات أخريات فى معظم ساعات اليوم لأنهن يعشن سويا ويشتركن فى مظاهر الحياة الواقعية سواء رضين أم أبين بحكم معيشتهن المشتركة.
ويولد هذا التفاعل مهارات مختلفة من التكيف، والمجابهة، وحل المشاكل، والتواصل المتوازن مع الآخر، وحفظ الحقوق والواجبات، وغير ذلك، مما يؤهل الإنسان للحياة فى مجتمع العمل والزواج والأسرة الكبيرة والأصدقاء والمجتمع بأسره.
وقد لا تتوافر مثل تلك الفرصة لاكتساب المهارات عند الفتاة التى تبقى فى وسط الأسرة، كما تتأهل المغتربة بنضجها واستقلاليتها وتفاعلها الصحى لتحمل المسئولية الكاملة فى الحياة فتصبح فتاة مسئولة فى عملها وفى أسرتها وفى زواجها
وغالبا ما تكون غير مدللة ولا تنتظر الكثير من الأطراف الأخرى التى تتعامل معها، ولا تعتمد كثيرا على غيرها فى تحمل مسئولياتها، وتكون حسنة التصرف لأنها قد تدربت من قبل على ذلك. ولا تكون توقعاتها خيالية فى الحياة مثل غيرها من المدللات واللواتى مازلن يعشن فى الأحلام.. وبخاصة إذا لم يكن الأهل قد دفعوهن لتحمل المسئولية؟؟
الفتاة المغتربة والمخاطر
ويتصور الكثيرون أن حياة الفتاة بعيدا عن أسرتها هى حياة مملوءة بالمشاكل ومحفوفة بالمخاطر.. وأول تلك المشاكل هى انعدام الأمان.
ويعتقد كثيرون أن الفتاة التى تعيش بمفردها أو بمعزل عن عائلتها هى هدف سهل لكل من يستهدفها ولا يوجد من يقوم على حمايتها والذود عنها، فلا أخ لها ولا أب يتمكن من نجدتها أو حمايتها.
والحقيقة غير ذلك تماما.. فالفتاة التى تعيش بعيدة عن أسرتها تكون أكثر صحوة من غيرها وتنتبه لنفسها وتتحمل المسئولية كاملة، بل أكاد أجزم أنها تكون متحفزة ومتشددة فى حماية نفسها والوعى بما يدور من حولها أكثر من غيرها، وهو رد فعل طبيعى للاعتماد الكامل على النفس وعدم انتظار مساعدة خارجية.
مغتربة وليست غريبة
وعلى ذلك تعتبر الفتاة مغتربة وليست غريبة عن المجتمع، فهى تعيش بعيدا عن أهلها وموطن رأسها وتغترب فى مكان آخر، ولكنها فى الوقت نفسه لا تعيش خارج المجتمع بل تعى جيدا أخطاره ومحاسنه وتتعلم كيف تتوافق معه وتتكيف مع من فيه.
ومن المخاطر التى يتصورها البعض أيضا خطر تأثير العناصر غير الطيبة من الفتيات على غيرهن من الفتيات المغتربات اللواتى بحكم التباعد بينهن وأسرهن يصبح من السهل التأثير عليهن واستمالتهن هنا وهناك واستغلال سذاجتهن وعدم معرفتهن بالحياة.. ولكن هذا أيضا وهم لم تثبت صحته.. فالفتيات المغتربات غالبا ما يثبتن فى تعاليم ومبادئ الأسر التى نشأن بها أكثر من غيرهن.. والتباعد المادى بينهن وأسرهن يكون غالبا العامل الأكبر فى محافظة هؤلاء على ما تعلمنه وتلقينه فى بيوتهن.
وفى أحيان كثيرة لا تكون الفتيات اللواتى يعشن مع أسرهن على ذات القدر من مراعاة المبادئ والتعاليم الأسرية كأمثالهن من المغتربات. ثم يأتى خطر هو فى الحقيقة يحتاج وقفة.. ألا وهو المكان الذى تعيش فيه مثل هؤلاء المغتربات..
وقد تتوافر أماكن للطالبات مثل المدن الجامعية التى تخضع لإشراف وضبط، كما تتمتع بقدر لا بأس به من وسائل الأمان.
أما خارج المدن الجامعية فالأمر فيه تباين كبير.. فهناك دور مغتربات تتبع جمعيات أهلية أو مساجد أو كنائس، وهناك دور مغتربات أهلية لا تخضع لأى رقابة ولا يوجد بها أمن.. وتتباين فى كل هذه الدور المستويات الاجتماعية والاقتصادية، ووجود إشراف من عدمه.. ونوعيات الفتيات من طالبات إلى متخرجات.. ولكل بيت أو نزل منها نظام.. وللأسف لا تخضع مثل تلك الدور لأى رقابة حكومية من أى جهة مختصة.. وهو أمر لابد من بحثه وحصر تلك الدور وتصنيفها ووضع رؤية عامة للتعامل مع مالكيها وقاطنيها.
خطر عدم زواج المغتربات
ثم يفكر الآباء غالبا بالخطر الأعظم بالنسبة لهم وهو خطر عدم الزواج بالنسبة للفتاة – أو ما يطلق عليه فى مجتمعنا (خطر العنوسة)- ويربط البعض الاغتراب بالعنوسة معتقدين أن الفتاة بعيدا عن أهلها وذويها تكون بلا (عِزوة) ولا يلاحظها أحد بعيدا عن أهلها.
ومازال كثير من الناس يعتقدون أن العائلة تكفى للزواج وللاختيار.. ولكن الحقيقة مختلفة هنا أيضا.. فالفتاة المغتربة هى صاحبة الشخصية المستقلة التى تتحمل المسئولية والتى طالما نجحت فى الاعتناء بنفسها ستنجح حتما فى الاعتناء بأسرة وحمل المسئولية بجانب الزوج.
كما أن انتشار نسبة العنوسة لا يقتصر على فئة معينة بل يمتد ليشمل الجميع.. ؟؟ الآباء الأعزاء! إذا كنتم قد قمتم بتربية بناتكم بطريقة صحيحة، لا تخافوا أن تتركوهن يغتربن من أجل الدراسة أو العمل.. وثقوا أنهن سيصبحن أفضل شخصية وأحسن تصرفا وأكثر نضجا.
الشباب الأعزاء! همسة فى الآذان: اختر لك زوجة من المغتربات فنسبة نجاح زواجهن على أرض الواقع أكبر بكثير من غيرهن.