جمــــال الغيطاني
[email protected]
ان مثل هذه الظواهر تؤجج النار، وتسكب مزيدا من البنزين علي اللهب، أما المسئولون الذين يثيرون مثل هذه الفتنة فيجب محاسبتهم بحزم، لذلك كنت أتمني إقصاء محافظ المنيا الذي اتخذ قرار تغيير اسم أبوحنس وإبعاده لأنه يثير الفتنة، حتي وإن تراجع عن القرار.زميلنا أحمد الفخراني يذكرني بالعصر الذهبي للصحافة، عندما كان التحرك والتواجد في موقع الأحداث يمثل جوهر السبق الصحفي والمهني، لذلك عندما أقترح أن يذهب إلي قرية أبوحنس في المنيا لإعداد تحقيق صحفي بما يجري تحمست علي الفور، عاد بالنص المنشور في هذا العدد، ولن أتحدث عن تفاصيله، لكن محصلته النهائية أن هناك أمورا تجري في مصر تدفع بها إلي حافة الدمار، وان بعض المسئولين يشاركون في هذه الجريمة. مثل محافظ المنيا الحالي وبعض نواب مجلس الشعب من كتلة الأخوان المسلمين، وهؤلاء بعض من عميت أبصارهم عن المشاكل الحقيقية التي يموج بها الواقع مثل الفقر والجهل والبطالة، وتفرغوا لأمور شكلية إذ يتصورون أن التقرب الي الله سبحانه وتعالي يجب أن يتم علي حساب واقع قائم وتاريخ يبدو لهم كأنه تاريخ طائفة أخري بينما هو في جوهره تاريخ الوطن الذي نعيش فيه جميعا، من هنا كان قرار المحافظ بتغيير اسم قرية أبوحنس إلي وادي النعناع، والسبب هو وجود دير قبطي تاريخي يحمل نفس الأسم، ثم تم التراجع عن القرار بعد الأحداث التي جرت وإصرار أهل القرية علي عدم محو تاريخهم بقرار اداري لا مبرر له.
التحرش الطائفي في مصر شواهده عديدة، في خلال سفري عبر بر مصر، يمكن قراءة ذلك في الأفق، مئذنة المسجد في مواجهة برج الكنيسة، لو ان الظروف عادية لبدا ذلك موضوعا بصورة جميلة تعبر عن الوحدة الوطنية، ولكن من يعرفون حقائق الأمور سيجدون في الصورة البنزين بجوار النار، في حارة الروم بالباطنية مجمع قبطي قديم يتكون من أربع كنائس تعتبر من أقدم كنائس العالم بينها دير للراهبات، وكنت أصحب الأجانب إلي حارة الروم، كذلك الأصدقاء من المصريين لكي أطلعهم علي مثال حي للتعايش بين الأديان المختلفة عبر الأزمنة والعصور، اذ تقع هذه المنشآت علي بعد حوالي مائة متر من الأزهر مركز العالم الإسلامي العلمي والفقهي، بعد تصاعد التوتر الطائفي منذ السبعينات وظهور التحرش بالعمارة. كنيسة تواجه مسجدا أو العكس، نجح البعض في شراء منازل تطل علي هذه الكنائس، وقاموا بتحويلها الي مسجد مع ان الحارة لايزيد عرضها عن مترين فقط، كأن الأرض ضاقت بما رحبت حتي يتم بناء المسجد في مواجهة الكنائس المستقرة منذ أربعة عشر قرنا في هذا المكان، من ناحية أخري الاحظ تعمد بناء أبراج كنائس شاهقة الارتفاع في أماكن لاتستلزم ذلك مثل الكنيسة المطلة علي الطريق المؤدي الي كوبري المنيب في مصر القديمة، أو طلاء الكنائس بألوان زاعقة مثل مجمع كنسي علي الطريق الغربي بين قنا وسوهاج تم اختيار لون أخضر (فسدقي) زاعق ، كذلك لوحظ وضع الرموز الدينية علي المنشآت المدنية والمنازل، ان الرموز الدينية ليس مكانها العمارات السكنية والتي يقطنها ناس من مختلف الديانات، ان وضع الرموز الدينية فوق المباني المدنية فيه مخاطرة واستفزاز، سواء كان الفاعل مسيحيا أو مسلما.
ثمة واقعة أخري تكشف البعد الطائفي وراء بعض القرارات العشوائية، مثال ذلك الحملة القومية لذبح الخنازير والتي مارسها البعض بحماس بالغ رغم ان وزير الصحة أعلن في أكثر من حوار تليفزيوني انه لاتوجد علاقة بين الانفلونزا الحالية والخنازير.
أما هؤلاء السادة الذين اعتبروا ذبح الخنازير عملا من أعمال الجهاد، فلا يعرفون ان تحريم الخنزير أصله مصري قديم، باعتبار الخنزير رمزا لست رمز الشر وانتقل التحريم الي اليهودية ثم إلي الإسلام، ولعل سبب التحريم في الأساس صحي.
ان مثل هذه الظواهر تؤجج النار، وتسكب مزيدا من البنزين علي اللهب، أما المسئولون الذين يثيرون مثل هذه الفتنة فيجب محاسبتهم بحزم، لذلك كنت أتمني إقصاء محافظ المنيا الذي اتخذ قرار تغيير اسم أبوحنس وإبعاده لأنه يثير الفتنة، حتي وإن تراجع عن القرار.