بقلم : سلمى قاسم جودة
علاء الأسواني مولع باقتفاء أثر المعذبين بالحياة وهم كثر.. يتوحد مع هؤلاء، ضحايا هزيمة الروح.. نذر إبداعه المجوهر على مذبح الكرامة المفقودة.. البوابة الرجيمة المفضية الى كل آلام وعذابات المصري الجديد.. هو يدلف الى العالم السري لمن ضاقت بهم الدنيا بالرغم من رحابتها.. يتقن التلصص الأدبي فيلج الى العوالم الخفية العامرة بلحظات الانكسار الحميمة، من ثقب الباب يتوغل في غياهب النفس البشرية فيرصد ويدنو الأديب والطبيب علاء الأسواني من خلال مجموعته (نيران صديقة) بعذوبة آسرة من الذين سقطوا في براثن هاوية غربة الفقر، القهر، الظلم وتابعهم الفادح، بؤس العجز الإنساني المفضي الى الأسي.. قصص علاء القصيرة تمور بالشجن وهو الحزن في أعذب أحواله، شجن غير محتمل، هو يحول حيوات البسطاء ضحايا العجز الوجودي، الاجتماعي، السياسي والنفسي المؤطر والزيف الديني الى إبداع نفيس، نقوش مرهفة على وجنات البنفسج التي تقطر حزنا غميقا لتتحول كتاباته الى جسر مضيء يصل بين الشرق والغرب، فكان الاحتفاء به غـربا غير مسبوق فإبداعه يضوي بألق الصدق، الجسارة تعرية القبح والتشوهات التي نالت من صفاء الشخصية المصرية، ومنذ إشراقات القرن 21 سعي علاء الأسواني الى تلبية نداءات، رغبات واحتياجات القارئ المطمورة منذ أزمنة فكان بمثابة القرين لأبطاله وقرائه فكان البعث للرواية الاجتماعية شبه المندثرة، وكانت انتعاشة مبهجة للمشهد الإبداعي باعثة أمل صار قصيا. فكان أن منح القاص للقارئ فرصة التحليق في آفاق النوتسالجيا أو الحنين لما كان وما لم يكن، أيضا شفي غليل القارئ المكبوت، المتفرج على الفساد المزمن والمعربد، فتحققت عملية الفصد المنشودة.وهكذا أشعل د.علاء الأسواني الحرائق الأدبية فهو مصاب (بالبيرومانيا) أي شغف إشعال النيران ولكن هي حرائق إيجابية تضفي حيوية دافقة، تحض على الاستيقاظ، الصحوة الوجدانية والفكرية وتجتاحني الدهشة عندما يتعرض للهجوم والنقد غير الموضوعي بأنه على سبيل المثال فتح الباب على مصراعيه لهذا الشلال الهادر من الأعمال منزوعة القيمة فحرية الاختيار مكفولة ويكفي أن هناك إحياء لعملية القراءة، أو نقد جسارته في تعرية عورات المجتمع الذي انقلبت قيمه وصار الأدني هو من يتربع على القمة وأقصد هنا الأدني أخلاقيا وفكريا وليس بطبيعة الحال طبقيا أو ماديا، ثم الانحراف والشذوذ الجنسي فهو موجود ولكن المصريين الجدد لديهم ولع بطقوس النعام!
< < <
في نيران علاء المكان هو المدينة والمكان يحاكي الزمان، يبث السقوط، فالكل أسير ومعزول في أغوار دنياه الذاتية الناضحة بالإخفاق والفشل في تحقيق أبسط الأشياء ولا أستطيع أن أقول أحلاما فتلك رفاهية وعالم مسحور لايطمح الىه الأبطال الضد في قصص علاء، ففي قصته البديعة، الجديدة (إنا أغشيناهم) يرصد مأساة الشخصية التي تعجز عن الاحتفاظ بماء الوجه من خلال أبسط وأيسر مظاهر الحياة، فالوظيفة، الحاجة سريالية وعبث المرتبات تحض الموظف على ارتداء الملابس الرثة، المهترئة التي أنهكها الزمن فنحن هنا نغوص في العجز الذي يحاكي اللامعقول فتلك الاحتياجات الأولية، الضرورية هي تقع في خضم المستحيل ويجب اللجوء للجمعية والحرمان لمدة عام من ضروريات الحياة من أجل شراء 3 قمصان تهب الكرامة والاعتداد بالذات واستعادة ماء الوجه ويلجأ الموظف المقهور، المحاصر بالحاجة والفاقة والغلب الأزلي الى الاستعانة بالآية الكريمة »وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا، فأغشيناهم فهم لايبصرون« صدق الله العظيم لكي لايراه رجال الجمارك فيمر بالقميص فهو يلجأ الى تكرار وترديد فأغشيناهم فهم لا يبصرون مرات ومرات وهذا من الممكن أن ينطبق على وقوع الإنسان في كرب عظيم، محنة فادحة، خطر محدق، حرب. مرض، جريمة شنعاء أما أن يصبح هذا الهلع، الانكسار، الخوف بفعل الرغبة في الاحتفاظ بالقميص الجديد الذي يستر ماء الوجه ولرأب الصدع الذي نال من وهج الكرامة فتلك هي المأساة المروعة التي تسحق وتهشم وتصيب إنسانية الإنسان في مقتل ليصبح بين عشية وضحاها أبسط الأحلام هو أصعبها. فالطبقة الوسطي سقطت من أعلى الى أسفل، لتفتك الحاجة الملحة والفقر المدقع والفجوة الطبقية بزهوة الكرامة، (إنا أغشيناهم) قصة شديدة النعومة، فكيف ياعلاء تكتب بهذه العذوبة والرهافة عن هذا البؤس البين، وهذا الانكسار السافر، هي بمثابة اقتناص لقطة أو نغمة تتصاعد في كريشيندو بديع بسخرية سوداء، علاء الأسواني يتقن التماهي بل الذوبان في العالم السري، المحكم، الموصد على الغلب، الشقاء والعجز لهؤلاء الذي نفخ فيهم من روحه الإبداعية وتلتحم قصة (أمر إداري) أيضا بآلام العجز الوظيفي، ليفضي الحرمان من الحقوق والمتع الإنسانية البسيطة الى الكبت الذي يسفر عن العنف فينهال عم إبراهيم المطحون المقهور بالضرب على السيدة العجوز التي ترغب في زيارة ابنها، فهاهو عم إبراهيم الرجل البسيط الذي قنع بأقل القليل والرضا بأرخص ليالي فأحلامه الشحيحة وطموحه المروض يتلخص في كسوة أولاده، دخان سجائره وقطعة حشيس صغيرة تمنحه نشوة عاتية مع زوجته في ليالي الجمعة ولكن حتى غرائز البقاء الطموحات المشروعة، المتواضعة تصطدم بالواقع المترع بالقسوة، الديكتاتورية، القهر والحرمان فينقل من عمله البسيط الذي يتيح له بعض الستر، العزوف عن التسول والقليل من المتعة ليواجه مرارة العجز فيلجأ الى العنف، القسوة والوحشية وهو مانواجهه اليوم في مجتمعنا حيث يلوذ الكثير بالجريمة فتتفجر شوارد اليأس العاصف من الواقع المجهد المبتسر ومن الغد، المجهول، القاتم وتبزغ قصة المرمطون نعرفها جميعا، نمارسها أو نسمع عنها أو نصبح من ضحاياها، القهر الوظيفي التسلسلي، القهر التدرجي الخاضع لمنظومة دقيقة hierarchie الظلم والمهانة المتسلسلة تهبط من المسئول الأكبر الى الأقل الى الأدني، حالة من الثأر المتدرج، المنظم، الغل الجماعي، فالأقوي يدهس الأضعف والأضعف يسحق الأدني وهكذا، ولا مجال في قصة (المرمطون) للكفاءة العلم، الاجتهاد، الدأب، المعرفة، القيم الحقيقية، الثمينة لامكان لها، فالنجاح والنبوغ من نصيب من يتهاون في كرامته، عفته، فضيلته، فهاهو الدكتور هشام الطبيب اليافع النابه، المفعم بالنضارة وطزاجة الآمال. الطبيب النابغة لا ينفعه نبوغه ودأبه ولكن سوف يحقق أحلامه عن طريق السقوط في هوة الشذوذ الجنسي مع الدكتور بسيوني، الطبيب الأشهر الصارم، المزدوج فلامكان في مهانستان تلك، إلا لمن يتقنون العزوف والتخلي عن الكرامة والمبادئ، فإما المديوكر أو أصحاب القامات الضئيلة والأقزام ومبدأ تفضيل الولاء على الكفاءة وإما النبوغ ولكن مع الكرامة الإنسانية المنزوعة وتقبل الظلم، القهر، الفساد كقدر محتوم وتتبع قصة (المرمطون) قصة علاء الجديدة (لماذا يا سيد ؟؟؟؟ (سؤال).
< < <
وأقول: لماذا ياسيد يا عبد التواب؟ تبيع نفسك لمن يدفع الثمن لماذا ترضي بالخنوع وفقدان الكرامة، النخوة، لماذا ياسيد تندفع في هاوية الشذوذ الجنسي مع رجل يمنحك حفنة من الدولارات، لماذا ياسيد هل لأن المجتمع يفقد القدوة، الأمل، الرمز، هل هي تلك الآفة والوباء الذي ينهش في جسد المدينة الفصامية، الجانحة الى السقوط والموات ومن ثم تلتهم الضباع الأخضر واليابس بحجة تبرير كل شيء فتارة هي ضائقة مالية تحض على الجريمة الوحشية والنحر الهمجي وتارة تحض على غواية الانحراف، وهكذا يمضي علاء الأسواني ينزع الأقنعة البالية، والوجوه الملثمة بالزيف الدميم، يقبض على لحظات الانكسار يكثفها يختزلها، يدمجها يبرز مدي قبحها يجعلنا نود الفرار نرغب في التغيير، التطهر فنيرانه تضرم الرغبة في التطهير. وتبزغ قصة (لحظة الكسر) أيضا ترصد هي فقدان الكرامة بنعومة مخملية لزوجة تتلقي في صمت، وخنوع لكمات زوجها، هي بمثابة ذبيحة تتلقي الاتهامات، الضربات والرجم.
في عالم علاء الأسواني الأحداث تدور دوما في أماكن مغلقة، حجرات محكمة، موصدة على خبيئتها، أسرارها لا يتسلل لتلك الأمكنة الهواء النقي.
عالم سفلي، يختنق، تجثم على أنفاسه سكرات السقوط والعجز فلا مكان في تلك الدنيا الضيقة، الحالكة المهلكة لنسيم النيل الليلي، أو لذوبان الشمس الشجي في بوتقة الوجود، لا مكان إلا للصراعات الخفية التي تنذر بالانكسار بتخاذل الروح وهزيمتها، نجحت في الفرار منها بطلة قصة علاء البديعة، الجديدة ( لاتيني ويوناني) استطاعت نادية، الرقيقة، العائشة في الحلم الذي يغمرها بفعل شغفها بالقراءة فهي مصابة (بالبوفاريزم) وهو نسبة الى (مدام بوفاري) رواية فلوبير الشهيرة فكانت البطلة تعشق القراءة وتعيش في عالم آخر مواز لدنيا الواقع وهكذا فنادية تلك النسمة العذبة، نبتت على أرض الحاجة والعوز والفقر المدقع مسئولة عن أمها وشقيقتها تتقدم لإعطاء دروس اللغة الفرنسية لابن رجل بورجوازي تعود الأمر والنهي بفعل المال والجاه وعندما يناوش كرامة تلك الفتاة البسيطة ترفض، تمضي، تذهب، وتضحي من أجل الاعتداد بذاتها فلقد ارتوت نفسها وامتلأت بثمار الثقافة والجمال، وتنفر نفسها الرقيقة، المتحضرة من طقوس الزفاف الوحشية، القاسية، الفجة التي تعج بها بلادنا فتلك الفتاة المتوحدة، العائشة في الحلم كادت تتقيأ عندما شهدت حفل زفاف ريفيا »كان الجنس يسيل من كل شيء«.. بدءا من حشيش الرجال. الى لمزات النسوة.. وهكذا حظيت هذه المرة بطلة علاء بالنجاة من هذا العالم القبيح، الغارق في العبودية وسحل الكرامة الإنسانية، مجتمع احترف سحق ووأد البراءة، نضارة الحلم وطزاجة الأمل. وتأتي رواية علاء القصيرة شاهقة العمق (أوراق عصام عبد العاطي) لتعلن عن السقوط الوجودي المفجع وعن أمراضنا المصرية المتفاقمة، عن الزيف الديني، عن تجنيس الدين وتديين الجنس، عن الشوفينية والانغماس في التعصب القبلي والوطني، عن تشوهات النفس البشرية، يسطر بتجلي زيف الطقوس العقائدية عندما تنأي عن الجوهر.
عصام عبد العاطي عاقل في مجتمع شائه، يتجرع التيه ويلوذ بالازدواجية، (الميتومانيا) أو هوس الكذب، وعقلية القطيع ليعري، ويهتك الغلالة البائرة التي لم تعد تستر عورات المجتمع المتهاوي في براثن الضلالات والخرافة والكذب. ثم تطل قصة (أختي الحبيبة مكارم) لتعلن سمات وشخصية بعض المصريين الجدد الذين يلجأون للخطاب الديني في كل لحظة كنوع من المزايدة والهروب والتستر وراء القناع الديني وهم يقترفون أبشع الجرائم بداية من النذالة ووصولا الى الجريمة، فها هو الشقيق الذي لفحته أصداء التيار الوهابي يلجأ للخطاب الديني ليتخلص من مسئولياته تجاه أمه المريضة وشقيقته البائسة ذروة النذالة، الزيف، الرياء، التدليس فكل شيء ممكن ومبرر وحلال مادمنا تلفحنا بالغطاء الديني كل شيء يصبح مباحا حتي القبح، الفساد، والنذالة، أيضا في قصة (فستان قديم وغطاء للرأس) المظاهر والأعراض الدينية والخطاب الديني رخصة وبوابة يدلف منها كل من تسول له نفسه اقتراف الفواحش. علاء الأسواني يحول تلك اللوحات الإنسانية الخاطفة الى أدب يصدح بجاذبية آسرة، هو ينزع السديم الذي يحجب الحقيقة، يتقن التحرش الأدبي ليسطع واقع البسطاء، الأغلبية الصامتة، الصامدة في مواجهة العجز بكل أشكاله وأرجع هنا ماسطرته الأديبة البلجيكية إميلي نوتومب »إن حكمة الآخرين لاتجدي فعندما يأتي الإعصار، الحرب، الظلم، العشق، المرض، الآخر نحن دائما بمفردنا،. وكأننا ولدنا للتو ونعاني دائما من اليتم«، وأخيرا قصة (زتامنديس .. صورة أخيرة)، الأديب علاء الأسواني مسكون بالحنين، مازال طفل الأمس، الصبي المسبي برحيق ورونق مصر الكوزموبوليتانية، الليبرالية، الجميلة فهو الى الأمس المدبر يلتفت، يكتنز رحيق الأيام الخوالي مثل كل من يعتنقون الرومانسية فما أكبر الفجوة بين يوم الأحد سنة 61 وأيام الأحاد المعاصرة، آه من الزمن وآلته الجهنمية فها هو الصبي الشاهد على قصة حب بين والده والسيدة الأجنبية المليحة، وسط البلد العمارات ذات الأعمدة الرخامية وتلك اللفحة الرطبة التي تسكر الروح وتروي النفس الأحد سنة 61 لقاءات العشق وقت القيلولة والايحاءات الإيروسية الناعمة الصادحة، بالمتعة الحسية الراقية بين الأب والسيدة الجميلة ثم تلك النقلة الزمنية العنيفة لما آلت الىه الأزمنة والأمكنة والشخصيات، فجروبي لم يعد كما كان والسيدة المليحة التي تغني لبياف الحياة وردية تجرعت النفي الزمني ومقبلة هي على العدم فها هي بعد غربة الفقر، افتقاد الكرامة غربة الزمن، حقبة مغايرة شجن غير محتمل وشتان مابين هذا الأحد وذاك هوة شاهقة تشطر الذاكرة، تصدمها، الذاكرة الثملة بعطر الأمس المجوهر، وأخيرا أقول لعلاء الأسواني عن التوغل في عالمه الإبداعي مستعيرة ما سطره طه حسين وتوفيق الحكيم في »القصر المسحور«: »إن لقاءك فتنة وأن قصرك سحر، وأن من دنا منك لايستطيع أن يطيل النأي عنك وأن من خرج من قصرك لايستطيع أن يسلو عن الرجوع اليه«.
شاهد على مصريات من فيلم عمارة يعقوبيان للكاتب علاء الاسواني بطولة عادل امام – هند صبري – نور الشريف- يسرا – خالد الصاوي – احمد بدير
كم اتابع كثيرا كتابات الاستاذه سلمى جوده واعجب كثيرا من ارائها تجاه الاخوان المسلمين برغم اننى كنت اختلف معها فى الراى عن الاخوان قبل ركوبهم الحكم وقد عبرت عن راى فى الاخوان ف مكالمه تليفونيه لسيادتها والان اقول لها كنتى اكثر منى تفكيرا فى ايدلوجيه الاخوان واعترف باننى كنت مخطئا عندما دافعت عنهم ولكن بالتجربه تيقنت بان الاخوان راسبى سياسه باقتدار اما عن الاستاذ علاء الاسوانى فانا اختلف معه فى ارائه ولكنى احترمه بشده وربما اكون مخطئا وساعتها لن اجد غضاضه فى ان اقدم اعتذارى له فورا والمهم تحياتى للاستاذه سلمى جوده وكم يسعدتى دائما قراءه ابداعتها الادبيه المتميزه ولن انسى لكى ياسيدتى وقوفك بجانبى عندما اصابنى السرطان منذ22 عام جعله الله فى ميزان حسناتك اميييييين
سلمى قاسم جودة : إذا كانت أنت كاتبة هذا فأنت نفسك أديبة رائعة ! تحياتي